بقلم إيهاب زكي – كاتب فلسطيني:
يبدو الخطاب الغربي سياسياً وإعلامياً تجاه روسيا، خطاباً مستنسخاً عن الخطاب الغربي ذاته تجاه سورية، من سياسة التقليل من قدرات الجيش الروسي، كما كان يحدث مع الجيش العربي السوري، ثم استراتيجية الاتهامات المتكررة والمكثفة لناحية استهداف المدنيين والأعيان المدنية من أسواق ومساكن ومستشفيات ومدارس وبنىً تحتية، وصولاً لتعظيم قدرات الجيش الأوكراني وما تسمى المقاومة الأوكرانية، كما كان يحدث مع ما كان يُسمى بـ”الجيش الحر” وكل مجاميع الإرهاب، ثم يبدو الخطاب أشد تطابقاً تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مع الخطاب تجاه الرئيس بشار الأسد في بواكير وأثناء الحرب على سورية، من المحاولات الدؤوبة للشيطنة، مروراً باختزال الأزمة في شخصه، وصولاً لسيمفونية الأيام المعدودة.
حتى إذا ما توسعنا في منظار الرؤية نوعاً ما، سنجد ذات ردات الفعل تجاه المطالب الأوكرانية، هي ذاتها تجاه مطالب ما كانت تُسمى “ثورة” في سورية، حيث طالبت أوكرانيا حلف الناتو بإنشاء منطقة حظر طيران فوق بعض المدن في أوكرانيا، وكان الردّ الأمريكي هو الرفض بحججٍ مختلفة، من ضمنها عدم الرغبة في الصدام مع روسيا، وهي ذات الحجة التي كان يسوقها جون كيري -وزير الخارجية الأمريكية في حينه-، حين كانت ما تُسمى “المعارضة” السورية تطالبه بفرض حظرٍ جوي فوق الأراضي السورية، وهي أنّ الجيش السوري يمتلك منظومة دفاع جوي صعبة المراس.
وبالعموم وحسب قواعد المنطق، فمن تشابهت بداياته تشابهت مآلاته، ولكن في هذه المرة ستكون النتائج أشد وقعاً على مصير الهيمنة الغربية، حيث أنّ من لم يتعلم من التاريخ، سيجعله التاريخ عبرة، فالغرب الذي يعيد ذات النهج الفاشل في سورية، يعيده حالياً مع روسيا، يعني إمّا أنّه بطيئ التعلم أو فاقد لديناميكيات التطور، وهذا يعني أنّه دخل مرحلة العجز عن الابتكار، وهي مرحلة تسبق عادةً مرحلة التكلس والجمود، والتكلس في السباق الحضاري، يعني بالنتيجة البقاء في الصفوف الخلفية، فيما تعجز الأقدام عن الحركة، مع نشاطٍ في بؤبؤ العين، لرصد حركة المتقدمين.
ولكن اللافت في ردة فعل الغرب تجاه روسيا بمثيلتها تجاه سورية، هو أنّ السلوكيات الغربية واستراتيجياتها احتاجت سنواتٍ طويلة للتبلور في سورية، بينما تم استخدامها في الحرب الأوكرانية في اليوم الأول للحرب، وكأنّ الغرب ختم المنهج السوري كله في 24 ساعة، ولم يتبق في جعبته سوى اتهام بوتين باستخدام الكيماوي ضد الأوكرانيين، وهذا يدل على جعبةٍ غربيةٍ خاوية.
قد نكون على شفير حربٍ نووية، لكن العالم بالقطع، لا يحبس أنفاسه كما فعل ذات مرة، في أزمة الصواريخ الكوبية، فحينها كانت الولايات المتحدة عملاقاً فولاذياً، بينما هي اليوم عملاقٌ يقف على قدمين من طين، ولا تمتلك جرأة الدخول في حربٍ مباشرة، إلّا إذا دخلتها عن يأسٍ وبلادة، ولكن الإمبراطوريات لا تعرف اليأس حتى الرمق الأخير، لذلك ستظل في حالة أملٍ بمصادفةٍ تاريخية، تعيد الأقطاب الصاعدة عالمياً إلى مثواها ما قبل الانطلاق، لذا فالأرجح أن تبقى النار في أوكرانيا وحدها دون توسع رقعتها، مع شظايا سياسية تغيّر وجه القرن الجديد.