الثورة – ترجمة ميساء وسوف:
على عكس ما يقترحه حكام الولايات المتحدة المنافقون ووسائل الإعلام الموالية لهم، يمكن أن يكون كلا الافتراضين صحيحاً، أن روسيا لها مصالح لا بد من حمايتها، وأن حكومة الولايات المتحدة منذ أواخر التسعينيات كانت مسؤولة بالكامل عن فرض هذا الوضع على روسيا.
هل يريد الأمريكيون معرفة سبب خوض روسيا العملية العسكرية في أوكرانيا؟ قد لا يرغبون في سماع أن حكومتهم يجب أن تتحمل قدراً كبيراً من اللوم، فقواعد القانون الدولي التي من المفترض أن تلتزم بها جميع الدول ببساطة لا تنطبق على الولايات المتحدة.
ما عليك سوى إلقاء نظرة على الغزوات وتغيير الأنظمة التي حدثت منذ عام 2001، ناهيك عن العودة إلى أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، هل هذا ما يعنيه أن تكون أمة استثنائية؟ أن تنطبق القواعد على الجميع باستثناء حكام أمريكا؟.
يشكل هذا التاريخ السياق الأكبر لما يحدث الآن في أوكرانيا، إنه لمن غير اللائق أن يوجه رئيس أمريكي اللوم إلى الحكومة الروسية بشأن “انتهاكاتها” للسيادة الوطنية في ضوء السجل المخزي للولايات المتحدة.
فمنذ تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991، اتخذ رؤساء الولايات المتحدة سلسلة من الإجراءات التي بدت مصممة لجعل الروس لا يثقون في الغرب في العصر الجديد، فقد شملت الإجراءات قصف صربيا حليفة روسيا في أواخر التسعينيات، وأيضاً التوسع المتكرر لحلف الناتو، وهو تحالف ما بعد الحرب الذي تأسس لمواجهة الاتحاد السوفييتي، ليشمل الحلفاء والجمهوريات السوفييتية السابقة.
الحديث العام عن ضم الجمهوريات السوفييتية السابقة كأوكرانيا وجورجيا إلى التحالف الغربي؛ تدمير المعاهدات طويلة الأمد ضد الأسلحة النووية مع روسيا؛ وضع قاذفات صواريخ دفاعية (يمكن تحويلها إلى قاذفات هجومية) في بولندا ورومانيا، محاولات تخريب صفقة خط أنابيب الغاز الطبيعي نورد ستريم 2 من روسيا إلى ألمانيا؛ التحريض على تغيير النظام عام 2014 في أوكرانيا؛ والبدء بتسليحها منذ عام 2017؛ إجراء مناورات حربية للناتو مع أفراد أمريكيين بالقرب من الحدود الروسية؛ الجهود الخالية من الأدلة منذ سنوات لإقناع الأمريكيين بأن روسيا تلاعبت بالانتخابات الرئاسية لعام 2016 لانتخاب دونالد ترامب؛ والكثير.
لنأخذ أحد أكبر دوافع الحرب: توسع الناتو باتجاه الشرق، والذي وعدت حكومة الولايات المتحدة وأوروبا الغربية بأنه لن يحدث بعد إعادة توحيد ألمانيا بينما كان الاتحاد السوفييتي يتجه نحو الإنهاء.
يوضح توسع الناتو بمقدار 1200 ميل تجاه روسيا مدى قصر نظر الحكام الأمريكيين. وقد أشار النقاد الأمريكيون مراراً وتكراراً إلى أنه لا يوجد رئيس ما كان ليتسامح مع دعوة روسيا للمكسيك وكندا للانضمام إلى حلف وارسو الذي انتهى الآن. ومع ذلك، يضم حلف الناتو الآن دول البلطيق، تلك الجمهوريات السوفييتية السابقة الواقعة على الحدود الروسية وليتوانيا ولاتفيا وإستونيا، ودول أوروبا الشرقية التي كانت ذات يوم في حلف وارسو.
في الواقع، نحن نعلم بالفعل كيف تتصرف حكومة الولايات المتحدة عندما يتم الاستهزاء بمخاوفها الأمنية، ففي عام 1962، كان الرئيس جون كينيدي مستعداً لشن حرب نووية ضد الاتحاد السوفيبتي عندما وضع صواريخ نووية في كوبا، وجلس العالم حينها على حافة الهاوية متسائلاً عما إذا كانت النهاية قريبة، وأخيراً، سحب رئيس الوزراء السوفييتي نيكيتا خروتشوف الصواريخ، ولكن فقط عندما وافق كينيدي سراً على إزالة الصواريخ الأمريكية ذات الرؤوس النووية من تركيا، هل نسي الرؤساء الأمريكيون اللاحقون تلك الأزمة؟.
يعتبر انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو من أكثر الخطوط الحمر أهمية بالنسبة للنخبة الروسية (وليس بوتين فقط)، خلال أكثر من عامين ونصف العام من المحادثات مع المسؤولين الروس لم أجد بعد أي شخص ينظر إلى أوكرانيا في الناتو على أنها أي شيء بخلاف التحدي المباشر للمصالح الروسية.
وأوضحت الحكومة الروسية مطالبها، لا عضوية في الناتو لأوكرانيا ولا منصات إطلاق صواريخ في أوروبا الشرقية، ومنذ توليه منصبه، تحدث بايدن بحزم، وأعلن أن الولايات المتحدة ستدعم السيادة الأوكرانية، لكنه قال أيضاً أن أوكرانيا لن تنضم إلى الناتو في أي وقت قريب، وأنه لن يتم وضع الصواريخ النووية في أوروبا الشرقية، ومع ذلك فقد سخر من المطالب الروسية.
الوضع خطير بالمعنى العالمي لأنه في ضباب الحرب يحدث الهراء، فمثلاً بعض الأمريكيين البارزين، الذين ما زالوا أقلية، يريدون من حكومتهم أن تفعل أكثر من مجرد فرض عقوبات، وإرسال المزيد من القوات إلى دول الناتو المجاورة، وزيادة تسليح أوكرانيا، وهو ما يفعله بايدن. ويدعو البعض، مثل الرئيس زيلينسكي، إلى منطقة حظر طيران تفرضها الولايات المتحدة فوق أوكرانيا، الأمر الذي من شأنه أن يضع أمريكا في صراع عسكري مباشر مع روسيا، ولكن يجب أن نتذكر أنه، مثل حكومة الولايات المتحدة، لدى روسيا آلاف القنابل الهيدروجينية الجاهزة للإطلاق!.
لا، لم يبدأ التاريخ في 24 شباط 2022 أو حتى 18 آذار 2014، عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم.
ولكن ماذا الآن؟ ولكي يتم وقف إطلاق النار، يمكن لبايدن تسهيله من خلال القيام بما كان يجب أن يفعله منذ فترة طويلة، وهو أن أوكرانيا وجورجيا لن تنضما إلى الناتو، وأن قاذفات الصواريخ ستُزال من أوروبا الشرقية، وأن التدريبات الحربية على حدود روسيا ستنتهي.
يمكن لأوكرانيا أن تساعد من خلال قبول وضع الحياد مع تأكيدات شبيهة بفنلندا بأنها لن تسمح باستخدام أراضيها بشكل عدواني ضد روسيا، يجب على بايدن أيضاً أن يقترح إعادة معاهدتي الحد من التسلح التي ألقاها بوش الثاني وترامب في محادثات مع روسيا، فنحن لا نحتاج إلى أن نكون في حالة حرب، حتى لو كانت حرباً باردة جديدة، مع روسيا.
المصدر: Libertarian Institute