ترجمة ميساء وسوف:
نشهد في الوقت الحاضر تحولاً جيوسياسياً عالمياً، فقد انتهت الفترة الجيوسياسية التي امتدت 500 عام من الهيمنة الغربية بصعود آسيا، وستستمر الفترة الجيوسياسية للتفوق الآسيوي على السياسة والاقتصاد العالميين أيضاً لمدة 500 عام، وإذا لم تجد دولة ما أساساً إيجابياً لوجودها في غضون فترة جيوسياسية قصيرة، فإنها تبدأ حتماً في التدهور بسبب المشاكل الداخلية، وهذا ما تواجهه أوكرانيا الآن.
تحاول واشنطن الاستفادة من الأزمة الأوكرانية وتتمثل استراتيجيتها في إبعاد روسيا عن منافذ البحار الدافئة مثل البحر الأسود وبحر قزوين وبحر البلطيق وإعاقة الاتصال السياسي والاقتصادي بينها وبين والعالم. إن إبعاد روسيا عن البحار يعني أن يستمر الأنجلو ساكسون في كونهم القوة الوحيدة القادرة على التحكم في محيطات العالم، وإبعاد روسيا والصين عن طرق المحيط الرئيسية التي يمكن الوصول إليها من البحار مثل بحر الصين الجنوبي.
ولا يمكن أن ننظر إلى ما يحدث في أوكرانيا كحدث منعزل، بل هو جزء لا يتجزأ من استراتيجية واشنطن العالمية للهيمنة على العالم.
هذا هو السبب في أن الولايات المتحدة تشعل نار الصراع من خلال تطبيق العقوبات السياسية والاقتصادية التي ستلحق ضرراً شديداً بالاقتصاد العالمي، كما إن الحرب الاقتصادية التي تشنها واشنطن تشكل تهديداً لجميع الدول التي تتعامل مع روسيا، وليس للدول الغربية فقط.
كما أن تحويل التجارة ضد الصين هو حلم آخر لواشنطن، حيث يطرح الخبراء الغربيون باستمرار أنواعاً مختلفة من التكتيكات حول كيفية تقسيم وحدة روسيا والصين، حتى أن أحد الخبراء قال إنه إذا حدث ذلك فسيكون هدية جيوسياسية عظيمة لواشنطن.
ونظراً لعدم وجود طرق أخرى لعرقلة صعود الصين وتطور روسيا، فإن الولايات المتحدة تستخدم الحرب الروسية الأوكرانية حيثما كان ذلك ممكناُ وتستخدم العقوبات حيث لا يمكنها إثارة الحرب، فُرضت أولى العقوبات الأمريكية على روسيا قبل فترة طويلة من الأزمة الأوكرانية، والتي هي مجرد ذريعة لدفعة جديدة من العقوبات.
إن إساءة استخدام العقوبات كما تفعل واشنطن يعيق التنمية العالمية، ونظراُ لارتفاع الاستهلاك في الغرب، فإن اقتصاده متشابك ويعتمد على إنتاج العديد من البلدان، حتى إن إغلاق باب التدفقات التجارية سيكون له تأثير مدمر في جميع أنحاء العالم، وخاصة في الدول الفقيرة.
هذا هو سبب عدم دعم العديد من الدول للعقوبات الأمريكية ضد روسيا، فقد ظل بعضهم على الحياد ورفضوا تقليص العلاقات التجارية مع روسيا.
حتى في أوروبا، لا تدعم جميع الدول العقوبات، هنغاريا مثلاً تجنبت المشاركة فيها، وهناك تأييد لروسيا بين شعوب سلوفاكيا والجبل الأسود وبلغاريا، لكن حكومتي سلوفاكيا وبلغاريا انضمتا إلى العقوبات تحت ضغط واشنطن.
أما في إفريقيا، فقد رفضت جنوب إفريقيا ومصر دعم العقوبات الأمريكية، ومن بين الدول العربية والإسلامية، اتخذت الإمارات وإيران موقفاً موالياً لروسيا.
كما انضمت ثلاث جمهوريات فقط من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق إلى العقوبات، ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا، “إن إمكاناتهم الاقتصادية المتبادلة منخفضة للغاية بحيث لا يمكن إلحاق أضرار جسيمة بالاقتصاد الروسي”.
حتى حكومة جورجيا ومولدوفا الموالية للغرب رفضت دعم العقوبات، فجميع دول الاتحاد السوفياتي السابق تفضل مواصلة تجارتها مع روسيا، إنهم يدركون أن الولايات المتحدة لن تعوضهم عن الضرر الاقتصادي الذي يمكن أن يحدث إذا انضموا إلى العقوبات.
المزيد من الحكومات تدرك أن التعاون العميق مع واشنطن في الوقت الحاضر أصبح أقل ربحاً، فواشنطن لا تضمن أبداً لحلفائها دعماً موثوقاً، والأمثلة كثيرة، العراق وأفغانستان وأوكرانيا بالطبع، نتذكر كيف هربت القوات الأمريكية من أفغانستان تاركة نصيرها الأفغاني في مأزق، والآن نرى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي يرفضان تقديم الدعم المباشر لكييف، وتقول حكومات الناتو إن جنودها لن يقاتلوا من أجل أوكرانيا.
لكن قبل العملية العسكرية الروسية، وعد الناتو بدعم أوكرانيا لدفع حكومتها نحو المواجهة مع موسكو، ويقدم الناتو الآن دعماً جزئياً لكييف.. لماذا ؟، لأن الهدف الأساسي هو جعل الصراع جرحاً دائماً ولا ينتهي بين الروس والأوكرانيين الذين هم تاريخياً شعب واحد.
الولايات المتحدة الآن بدأت تفقد السيطرة على الأرض حيث اعتادت أن تكون الرئيس، ويعترف الخبراء العسكريون الأمريكيون بأن الجيش الأمريكي غير قادر على خوض عدة حروب في ساحات معارك مختلفة.. لهذا السبب يحتاجون إلى حلفائهم للقتال من أجل مصالحهم الجيوسياسية وهذا هو الحال في أوكرانيا.
ولكن هذه المعركة غير مجدية لأن الفترة الجيوسياسية القادمة التي تستمر 500 عام لا مفر منها.. وإن المنطق والقوانين الجيوسياسية الراسخة تسمح لنا بالتنبؤ بنهاية العالم أحادي القطب حيث يتم تقرير كل شيء من قبل دولة واحدة، فالنظام العالمي يتغير وهذا التغيير لا يمكن وقفه.
المصدر: Global Times