الثورة – عبد الحليم سعود:
لا تكفّ الولايات المتحدة الأميركية عن تصنيف بقية العالم حسب أهوائها ورغباتها ومصالحها وأطماعها، فمن لم يصطف معها في مواقفها المتطرفة والعدائية يعتبر بالنسبة لها عدواً أو خصماً يجب معاقبته أو الضغط عليه، فهي أول من ابتدع مصطلحات مثل “محور الشر” و”الدول المارقة” وهي التي ما زالت تصدر تقاريرها وقوائمها السوداء حول الحريات وحقوق الإنسان في العالم، وكأنها الوكيل أو القاضي الشرعي العالمي المختص بمثل هذه القضايا، لتصنف بقية دول العالم حسب مزاج سياساتها المتغطرسة، بالرغم من الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها وترتكبها بحق الإنسانية جمعاء.
وإدارة بايدن لا تختلف البتة عن إدارة بوش الابن الذي وقف ذات مرة معلناً “من ليس معنا فهو ضدنا” بعيد أحداث 11 أيلول عام 2001، واليوم يتكرر نفس السيناريو إزاء أزمة أوكرانيا، فمن لم يصطف خلف واشنطن في استهدافها غير المسبوق لروسيا يعتبر خصماً وتتم الإساءة إليه وتشويه سمعته وقد يناله جزء من العقوبات المفروضة على روسيا كما يحدث اليوم مع الصين التي اتخذت موقفا حيادياً عقلانياً من الحرب الدائرة في شرق أوروبا، في استمرار لنفس السياسات الفوقية الاستكبارية المستفزة التي تعتبر العالم رهناً لإشارة واشنطن ويجب أن ينفذ ما يملى عليه من إملاءات ويتقبل ما يفرض عليه من شروط.
فالتعبئة العدوانية التي تطلقها واشنطن بسبب الأزمة الأوكرانية لم تتوقف وهي مستمرة بحشد الحلفاء والأصدقاء لاستخدامهم في الحملة المسعورة ضد موسكو، فالصين بنظر انتوني بلينكن “تقف في الجانب الخطأ من التاريخ”، وثمة محاولات لإقناع الهند بالانضمام إلى هذه التعبئة، فيما يمارس الإعلام الأميركي والغربي أعلى درجات القمع والحد من الحريات ضد الأصوات المخالفة للرؤيا الغربية للصراع في أوكرانيا، وهنا يسأل المرء نفسه من الذي يحترم الحريات أكثر دول “محور الشر” أم دول “محور الخير” الأميركي المزعوم..؟!
معظم دول العالم تتطلع إلى السلام وترغب بالحوار لحل كل الأزمات التي تواجه البشرية، فيما تستمر واشنطن بانتهاج لغة التهديد والوعيد والسلاح والعقوبات الظالمة لتمرير أجنداتها الاستعمارية، فمن الذي شن أكثر من تسعين حرباً وعدواناً حول العالم خلال نحو قرنين من الزمن سوى الولايات المتحدة الأميركية، ومن الذي استخدم الأسلحة النووية ضد الشعوب سوى الولايات المتحدة، ومن الذي مارس الإبادة الجماعية بحق الشعوب الأصلية كما فعل المستعمرون الأميركيون بحق “الهنود الحمر” سكان أميركا الأصليين، ومن الذي يقيم أكثر من ألف قاعدة عسكرية خارج حدوده لضمان مصالحه بقوة السلاح ويحاول عسكرة السياسة سوى الولايات المتحدة، ومن الذي يفرض العقوبات خارج الشرعية الدولية ويجوع الشعوب من أجل تركيعها سوى الولايات المتحدة، ومن الذي يمارس العنصرية بأبشع صورها كما تفعل أميركا، ومن الذي يمارس التعذيب والسجن بحق المعتقلين وأصحاب الرأي المخالف دون محاكمة أو اتهام أو إدانة كما تفعل الولايات المتحدة، ومن الذي يغذي الاغتيالات السياسية والفوضى والاضطرابات ويدعم الانقلابات والأنظمة الديكتاتورية والقمعية كما تفعل الولايات المتحدة، ومن الذي يتدخل في شؤون كل شعوب العالم أصدقاء كانوا أم أعداء وبصورة مستفزة كما تفعل واشنطن..؟!.
إن من يملك كل هذا التاريخ الأسود من الانتهاكات والاحتلال والعدوان والغطرسة والعربدة والتدخل لا يحق له أن ينتقد أحد أو أن يتحدث عن السلام أو الحريات أو حقوق الإنسان أو الديمقراطية، وقد آن الأوان للعالم ليقول لواشنطن “كفى”.. فما عادت البشرية تتحمل هذا النوع من السياسات الأميركية المدمرة والتخريبية، وقد آن لها أن تتخلص من الأزمات والحروب التي تفتعلها واشنطن لخدمة مصالحها الخاصة الضيقة، فمن حق الإنسانية أن تنعم بالسلام والرخاء والازدهار بعيداً عن الإرادة الأميركية والتدخل الأميركي.