الثورة – هناء دويري:
الصور الرمزية في المسرح العربي المعاصر فرضتها حالة الرقابة العامة والخوف من خوض التجارب الحقيقية وتسمية الأشياء بمسمياتها، برغم حاجتنا إلى مسرح جاد وواقعي يثير هموم ومشكلات المجتمعات العربية ويعكس آلامها وآمالها وتطلعاتها لمستقبل مشرق، إضافة إلى حاجتنا لمسرح بعيد عن المتاجرة وسوق العرض والطلب، من هنا تبقى المسرحيات التي اعتمدت الأسطورة وحكايات ألف ليلة وليلة قناعاً تختبئ خلفه النصوص المسرحية لتفضي ما في جعبتها على لسان شخوصها لتجسيد الواقع بأقل الخسائر الممكنة…
بدايات المسرح السوري بأبي خليل القباني واعتماده على الإنشاد وألف ليلة وليلة والتراث الشعبي والتاريخي شكل من أشكال الهروب أيضاً من سطوة السلطنة العثمانية وبطشها التي حاربت القباني ومسرحه..
انشغل بعدها الجمهور بمسرح الأحداث الواقعية والدفاع عن الحرية الوطنية ضدّ أشكال الاستعمار فما عاد للمسرح بصمة تذكر، وبعد ظهور التلفزيون في سورية ظهر مسرح “الشوك” لدريد لحام مع عمر حجو بمشاهد سريعة تلغي الفصول والزمن والملابس والديكور، ثم تجربة سعد الله ونوس في مسرحية “حفلة سمر من أجل ٥حزيران” وتجربة الممثل الفرد في مسرحية “الزبّال” التي كتبها ممدوح عدوان ومثلّها زيناتي قدسية، أشكال مسرحية تؤكّد على الثقافة العربية والموروث الشفهي والاحتفالي الشعبي.
تراجع المسرح في التسعينيات بعد مرحلة النهوض التي حققها في الستينيات والسبعينيات حيث تحول إلى عروض كوميدية تجارية…
ارتقى المسرح الشعري بنصوصه في زمن أحمد شوقي ومسرحياته الشعرية التاريخية (كليوباترا، قيس وليلى، علي بك الكبير، عنترة،) والتي حوّل بعضها الموسيقار محمد عبد الوهاب إلى أغنيات عذبة وجميلة، ويطوّر صلاح عبد الصبور المسرحية الشعرية ويحوّلها على لسان شخوصه إلى دراما شعرية راقية لها حساسيتها ورهافتها في مسرحية “الحلّاج” نموذج على ذلك، ثم يأتي السيّاب وأدونيس وخليل حاوي والماغوط
في لبنان تبدأ مرحلة مسرح الرحابنة وفيروز ورغم اعتمادهم العامية واللغة الدارجة كان لهم عمقهم الفلسفي والفكري والنغم والصوت المبدع، ويُسجّل لخليل حاوي في “لعازر” تجربة مسرحية فكرية نضالية…
تنوعّت نماذج المسرح التي تأثرت بألف ليلة وليلة واختبأت خلف رمزيتها في المسرح العربي المعاصر والحديث فالملك هو الملك لسعد الله ونوس جسدّت عمق الواقع السياسي وخبايا الواقع بترميزات من التراث العربي والأسطوري وإسقاطاته الواقعية في قتل روح التمرّد وابتكار أساليب القهر والدمار النفسي لقاعدة الجماهير الحيّة.
مسرحية “شهرزاد” للكاتب علي أحمد باكثير فيها استفاد الكاتب من الأسطورة لخدمة رؤاه الفكرية والمنهجية واستخدم الرمز ليصل إلى أزمة الإنسان المعاصر وحالة الاغتراب والعزلة التي يعيشها والبحث عن نظام جديد يعيد توازن الحياة بعيداً عن قهقهات الملوك وثقل آرائهم…
أدونيس في مسرحياته (مجنون بين الموتى، والسديم، وجنازة امرأة، والرأس والنهر..) ففي الرأس والنهر يتقدّم رأس مهيار الشهيد أو رأس الحسين الذي اعتبره أدونيس رمزاً لمهياره الذي سقط تحت دبابات العدو في الجولان المحتل، ويظل الرأس يتدفق كلاماً وثورة، والنهر مسرح الحياة والتاريخ والزمن، المسرحية بالمجمل إسقاط للماضي على الحاضر بمستوى أسطوري…
لا يزال واقع المسرح العربي والسوري كواقع الأمة العربية يبحث عن ضالته بين الماضي والحاضر، يبحث عن واقع جديد يكون حقيقياً وراسخاً له أثره وتأثيره وفعله الحقيقي.