الثورة – هفاف ميهوب:
لا يمكن لأيّ كاتبٍ في الفن المسرحي، ولا سيما إن كان من أوائل من اقتبسوا عن الأسطورة، إلا أن يشير إلى تأثّره بـ “توفيق الحكيم”.. الكاتب والأديب الذي لم يترك جانباً فلسفياً ومسرحياً إلا وخاض فيه، والذي يُعتبر من أوائل من اهتمّ واستمدّ من الأسطورة، ومُذ شهيرته “أهل الكهف” التي أتبعها بالعديد من المسرحيات الأسطورية..
لقد كان “خليل الهنداوي” الذي يعتُبر أوّل من كتب المسرحية الأسطورية في سورية، وأوّل من حوّل المسرح من فنٍّ معروض إلى فنٍّ مكتوب، أحد من اعترف بهذا التأثير، وفي مقالة يقول فيها: “ثم جاء توفيق الحكيم برائعته “أهل الكهف” فأُخذتُ بها ورحت أتساءل: لماذا لا أبحث عن أسطورة كأسطورة الحكيم؟”..
بحث “الهنداوي” فعلاً عن أسطورة كأسطورة “الحكيم”، وسرعان ما وجدها في “هاروت وماروت”.. المسرحية التي جعل الإنسان موضوعها، والتي قدّم لها “ميخائيل نعيمة” مشيداً بها..
تتوالى بعدها المسرحيات الأسطورية السورية، ليكون سبب تحول “الهنداوي” من الأساطير الشرقية والعربية، إلى اليونانية، عدم قدرته على الخوض في الواقع والمشكلات الإنسانية كما يشاء، ورغبته بأن يغادر إلى عالمٍ خيالي، يعبر الإنسان فيه من ألمه وبشاعة واقعه، إلى خلاصه.. الأهم في تحوله، وحسب قوله:
“فقدان المسرح في التراث العربي، جعلني أبتعد عن المسرحية التمثيلية الواقعية، وألجأ إلى المسرحية الذهنية، وكثيراً ما عدت إلى الأساطير العربية واليونانية، أستمدّ مغزاها الإنساني، وأعيد كتابتها، لا باعتبار أبطالها من الأساطير، بل باعتبارهم إنسانيين، وإن كانوا من أنصاف الآلهة..”.
لم تكن مسرحيته هذه، وحدها التي اعتمد فيها على الأسطورة، فقد توالت بعدها مسرحياته التي استلهم مواضيعها، من أساطير عربية وإغريقية، ودون أن يتوقف بحثه عن عالمٍ لا يشبه الواقع الذي وجده، لا يجسد إلا المعاناة والعذابات البعيدة عن جمال الحياة، ورقي الإنسانية..
لم يكن “الهنداوي” وحده من سعى للبحث عن إنسان، يعبر به من الواقع إلى الأسطوري، فلقد تبعه العديد من كتّاب المسرح، ممن كان أشهرهم “سعد الله ونوس” الذي سيبقى المسرح السوري يفتقده، ويبحث عن حياة جميلة وفرحة وعادلة لإنسانه.. سيبقى يبحث رغم الزمن والتطور الذي لن يمنعنا جميعاً من التساؤل: أين هو هذا الإنسان؟.. أينه فالمسرح يبحث عنه؟!…