الثورة – محمود ديبو:
بالأمس بثت إحدى الإذاعات المحلية تقريراً مصوراً على مواقع التواصل الاجتماعي يوثق بالصورة والصوت عملية ضبط مستودع لإحدى الشركات المحلية بريف دمشق لتعبئة المواد الغذائية (حبوب، وبقوليات، وسكر، ورز…) والتي حصدت منتجاتها شهرة واسعة في الأسواق المحلية ونالت ثقة المستهلكين على مدى السنوات الماضية..
وفي تفاصيل التقرير المصور نجد ما هو مفاجئ وقد يودي بكل الثقة التي حظيت بها منتجات الشركة، حيث تم الكشف عن تلاعب يجري داخل المستودع من خلال افراغ الأكياس منتهية الصلاحية وإعادة تعبئة المواد بأكياس جديدة وبتاريخ صلاحية جديد، الأمر الذي يسمح بإعادة طرح المادة نفسها (منتهية الصلاحية) في الأسواق من جديد وبكل ثقة وبما لا يوقع الشركة بخسارات مادية نتيجة انتهاء صلاحية كميات كبيرة من موادها المطروحة في الأسواق..!!
ولنا أن نتذكر هنا أن هذه الواقعة تأتي قبيل حلول شهر رمضان المبارك بأيام قليلة، أي أن الشركة صاحبة الاسم العريق كانت تستعد لطرح منتجاتها في الأسواق مع حلول الشهر الفضيل، بالنظر إلى أن منتجاتها هي من المواد الغذائية المطلوبة على موائد المستهلكين في هذا الشهر، وبالتأكيد كانت ستطرح بالأسعار الجديدة التي ارتفعت أضعافاً مضاعفة عما كانت عليه في العام الماضي، حيث إن معظم المواد المضبوطة كانت تحمل تاريخا قديما يعود إلى الشهر السادس من العام 2021..!!
وفي هذا السياق يمكن أن نذكر حالة أخرى لضبط كميات كبيرة من التمور التي تحوي حشرات كانت معدة لطرحها في أسواقنا المحلية ومثلها بالألبان والأجبان (المغشوشة) ورب البندورة والمربيات بأنواعها.. لماركات بعضها معروف وبعضها غير معروف..
مثل هذه الحادثة وغيرها تدفع بسؤال كبير: ماذا يأكل المستهلك وهل كل ما يشتريه من الأسواق المحلية هو صالح للاستهلاك، وهل هذه الحالة التي تم ضبطها تحدث لأول مرة في تلك الشركة، وهل هي فريدة من نوعها أم أن هناك من المنتجين من يقومون بنفس السلوك وبنفس الأسلوب للتلاعب وحصد أرباح طائلة على حساب صحة وسلامة المواطنين ونظافة غذائهم..؟؟
ثم نسأل في نفس السياق، أين تصريحات المنتجين والصناعيين والموردين الذين طالما ينقلها بعض الصحفيين عنهم (بأمانة) أن همهم الوحيد هو المواطن وأن المنتجات (المحلية) تتمتع بالجودة والمواصفة العالية والتي تضاهي غيرها من المنتجات المستوردة…؟؟؟ أين هذه المصداقية التي يتحدثون عنها وبعضهم في نفس الوقت يقوم بالغش والتلاعب واستغلال المستهلكين..؟؟
هي جهود تشكر عليها مديرية حماية المستهلك في ريف دمشق التي قامت بضبط هذه الحالة علماً أن الاسم التجاري هو ماركة شهيرة ومعروفة والكثير من المستهلكين اعتادوا على طلبها بالاسم في محلات البقالة والسوبرماركات وغيرها، دون أن يعلموا ربما بأن صاحب هذا الاسم التجاري يقوم بغشهم وإعادة تعبئة مواد منتهية الصلاحية بأكياس جديدة وبصلاحية جديدة..!!
ولعلنا هنا نعود إلى التساؤل الذي طالما طرحه المستهلك أين هي القوائم السوداء التي جرى الحديث عنها والتي يسجل عليها أسماء الشركات المخالفة وماركاتها ويتم الإعلان عنها بشكل واضح، لإخبار المواطنين بمن يغشهم ويستغلهم ويتلاعب بغذائهم؟؟ لماذا لا يتم السماح بذلك طالما أن مثل هؤلاء سمحوا لأنفسهم وتجرؤوا على صحة المواطن وغذائه وسلامته، وأقدموا على عمليات غش موصوفة بأن طرحوا في الأسواق مواد منتهية الصلاحية وغير صالحة للاستهلاك..؟؟
أليس من يتجرأ على صحة وسلامة المواطن كمن يتجرأ على حياته، ألا يجب اعتبار مثل هذا الفعل بمثابة الجرم الذي يحتمل عقوبات أكثر من اعتباره مخالفة (تموينية) تستوجب الغرامة المالية؟؟
المستهلك (بالع الموس على الحدين) فمن جهة هو فقد ثقته بكل ما هو مطروح من منتجات محلية وحتى بعض المستوردة نظراً لاتساع رقعة الغش والتلاعب بمعظم ما هو مطروح في الأسواق، ومن جهة ثانية هو لم يعد يميز ما بين “الأصلي” و”التقليد” بالنظر إلى سيل المنتجات الذي تغرق به الأسواق المحلية وخاصة الغذائية بمختلف أنواعها..
ولأن المستهلك هو الخاسر الوحيد في كل جولات المواجهة مع قوى السوق سواء لجهة المواصفة والجودة والنوعية، وسواء لجهة الأسعار التي لم تعد تقف عن عتبة واضحة، فقد نجده الآن غير آبه فهو يشتري على التوكل هو وحظه، إما أن يصيب وإما أن يخيب وفي كلا الحالتين هو من سيدفع الثمن..لأنه وبعد أن اكتشف أن حتى أصحاب الماركات المعروفة والشهيرة والتي كانت موثوقة لدى شريحة واسعة من المستهلكين بات يراها بأم عينه تمارس الغش والتدليس والتلاعب بالمواصفة والجودة والصلاحية..
فتجده اليوم يسأل نفسه من أين يتسوق ومن يضمن له جودة المنتج المحلي؟؟؟