الثورة – عبد الحليم سعود:
ما من شك أن ما تتعرض له روسيا من ضغوط وحصار وعقوبات واتهامات غربية ومحاولات لتحجيم وإضعاف دورها وحضورها على الساحة الدولية يشبه كثيراً ما تعرضت له سورية خلال سنوات الحرب الإرهابية عليه، مع فارق أن سورية دولة صغيرة المساحة والسكان والإمكانيات الاقتصادية والعسكرية، بينما روسيا هي وريثة الاتحاد السوفييتي العظيم وهي دولة عظمى لها مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي وتتمتع بحق الفيتو إلى جانب كونها من كبار الدول المصنعة والمصدرة للأسلحة المتطورة وأكبر ترسانة نووية وصواريخ عابرة للقارات وفرط صوتية، بالإضافة إلى كونها من كبار المصدرين للقمح والغذاء والنفط والعديد من المعادن المهمة التي يحتاجها العالم في صناعاته، في حين تقترب مساحتها من ربع مساحة العالم.
رغم كل ذلك يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية التي تكن العداء لروسيا وتحاول تحجيمها والاحتفاظ بالقطبية الأحادية وهيمنتها المستمرة على القرار العالمي لن تتراجع عن مخططاتها ضد روسيا والمعدة سلفاً قبل الحرب الأوكرانية، ولكنها تزايدت وتفاقمت كثيراً بعد الحرب متخذة إياها كذريعة، وقد اتخذت هذه الضغوط أشكالاً مختلفة من بينها:
1- اتهام الجيش الروسي بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في أوكرانيا بأوامر مباشرة من الرئيس بوتين من أجل شيطنته وتشويه صورته.
2- الاستمرار في إدعاء أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا قد أخفقت، وأن الجيش الروسي يتراجع، وأنه تحول من مهاجم إلى مدافع، في حين أن الجيش الأوكراني قد عكس الأمور وبدأ بهجوم مضاد، مع ترويج أكاذيب وشائعات عن عجز الجيش الروسي عن تأمين ذخائر ومعدات وتكبده خسائر كبيرة.
3- التصويت في المنظمة الدولية لإخراج روسيا من منظمة حقوق الإنسان ومحاولة حشد العالم ضد موسكو.
4- الاستمرار في فرض العقوبات الاقتصادية والمالية ذات التأثير النفسي، ومنها فرض عقوبات على عائلة الرئيس فلاديمير بوتين ومقربين منه.
5- الاستمرار في إفراغ السفارات الروسية في العواصم الغربية من الدبلوماسيين الروس.
6- محاولات تغيير موقف الصين الداعم الأكبر لروسيا وإشغالها بقضايا جانبية، كموضوع تايوان والأحداث الجارية في باكستان الصديق المقرب لكل من الصين وروسيا.
لا شك أن الغاية من الإجراءات الأمريكية هو إطالة أمد الحرب في أوكرانيا، وقتل أي فرصة للسلام يمكن أن تضمن حياد أوكرانيا وعدم انضمامها لحلف الناتو، لأن من شأن ذلك أن يخدم الأجندة الأمريكية القائمة على إضعاف روسيا واستنزافها بحرب طويلة..
يضاف إلى ذلك وجود نية أميركية بتوريط دول غربية مثل بولندا في الصراع الدائر من أجل توسيع الصراع أكثر، حتى يتدخل الناتو فيه – رغم نفي ذلك – ولاسيما أن ما يجري هو في الساحة الأوروبية وتأثيراته على أميركا شبه معدومة، إن كان لجهة اللاجئين الذي يفرون من الصراع باتجاه روسيا أو الدول الغربية، أو لجهة المرتزقة الذين تأتي بهم أميركا والغرب ليزجوا في الصراع، وما يمكن أن ينتج عنه لاحقاً من تأثيرات على القارة الأوروبية، وهذا ما قلل فرص السلام، ويجعل من إمكانية إنهاء الحرب مسالة معقدة وطويلة ومكلفة.
رغم كل هذه الضغوط القاسية والاتهامات الكاذبة لا يزال الجيش الروسي سيد الميدان وكل المعطيات تؤكد أن عمليته العسكرية تسير وفق ما هو مخطط لها، حيث ألحق خسائر فادحة بالبنية العسكرية الأوكرانية التي كانت تشكل بنية أساسية لتوسع الناتو على حدود روسيا، والأهم من ذلك هو فضح وإفشال المخابر البيولوجية التي كانت واشنطن تقيمها في شرق أوكرانيا لنشر الأمراض والأوبئة الفتاكة داخل روسيا، إضافة إلى إلحاق خسائر كبيرة بالنازيين الجدد في أوكرانيا.
لا يستبعد البعض من المختصين والمحللين السياسيين والمتابعين لتطورات الحرب الأوكرانية إمكانية اندلاع مواجهة مباشرة بين روسيا والناتو في حال استمرت بعض دول الحلف بتقديم السلاح للجيش الأوكراني وفتح الحدود أمام المرتزقة والإرهابيين للمشاركة في الحرب، وإذا حدث ذلك فسيؤدي إلى حرب عالمية مفتوحة لا أحد يستطيع التكهن بنتائجها.
لا خلاف بأن أوروبا العجوز بدأت بدفع ثمن خياراتها الخاطئة واصطفافها إلى جانب الولايات المتحدة وتفضيلها التصعيد والمماطلة بدل الدخول في حوار بناء مع موسكو، وإذا كانت الأثمان قد اقتصرت حالياً على موضوع النفط والغاز والنقل الجوي وارتفاع أسعار المواد الغذائية في أوروبا، فإن الأمور ستأخذ أشكالاً أكثر صعوبة إذا ما تفاقم الصراع أكثر وحدث ما لم يكن بالحسبان، أي تجاوزه الحدود الأوكرانية.