رئيس فرع الإعلام في الإدارة السياسية لـ “الثورة”: من يمتلك الحق والإرادة ويكن نصيره الشعب فلن يهزم أبداً
أجرى اللقاء ريم صالح:
إنه يوم الـ17 من نيسان عام 1946، ومن منا لا يذكر هذا اليوم، وهو اليوم الذي استعادت فيه سورية حريتها، وحققت استقلالها، وسيادتها، بعد أن أذلت المستعمر الغاصب، وأرغمته على الخروج صاغراَ يجر من ورائه أذيال الهزيمة، والخزي، والعار، بل من منا لا يذكر هذا اليوم، وهو اليوم الذي أكد للقاصي قبل الداني، أن طريق الحرية لطالما كان معبداً بالدماء الأبية، والتضحيات الجسام، وكيف لنا ألا نستخلص من الجلاء العبر والقيم، وهو الذي شكل الصفعة المدوية للمستعمر الفرنسي.
العميد الركن غالب جازية رئيس فرع الإعلام في الإدارة السياسية، تحدث لصحيفة “الثورة” بهذه المناسبة عن معاني ودلالات جلاء المستعمر الفرنسي عن أرض الوطن في ظل ما تواجهه سورية من هجمة إرهابية لا مثيل لها وتآمر دولي مفضوح، وقال:
بداية نرحب بكم أجمل ترحيب في الإدارة السياسية وكل عام وأنتم وشعبنا وقائدنا وجيشنا بألف خير، ولا يسعني في البداية إلا أن أنحني إجلالاً وإكراماً لأرواح شهداء الجلاء.. جلاء الماضي وجلاء الحاضر الذين أرخصوا الأرواح والمهج وبذلوا الدماء الزكية ليحيا الوطن.. وأحيّي رفاقي في الجيش العربي السوري المنتشرين في كل بقعة من وطننا الغالي الذين يحفظون عهد الجلاء ويصونون الأمانة المقدسة في حماية الوطن والدفاع عنه و تطهيره من دنس الإرهاب، فمن خطواتهم الثابتة وأقدامهم الراسخة تشرق دلالات هذا اليوم العظيم فتطلع من جباههم شمس العزة وأقمار الكرامة، ويجلو العرق غبار الأرض لتطلع منه شمس اليقين بأن هذا الوطن سيبقى حراً عزيزاً كريماً لأنه وطن الرجال الأباة الحماة.. أحفاد أولئك الرجال العظام الذين رفضوا الذلَّ والهوان وقارعوا المستعمر منذ أن وطئ أول جندي فرنسي أرض سورية، وأسقطوا كل مشاريعه الرامية إلى تقسيم سورية إلى دويلات وأقضية وسناجق، وحاربوا دعواته الطائفية والإثنية فكانوا بحق قناديل نور لنضال شعبنا العظيم، وشكلوا لنا وللأجيال القادمة القدوة والمثل في تفانيهم وإخلاصهم، وفي حبهم لوطنهم وتراصهم ووحدتهم، وفي روحهم الوطنية المتقدة، وكان الوطن هو هدفهم الأسمى من الشيخ صالح العلي إلى المجاهد إبراهيم هنانو إلى سلطان باشا الأطرش.. إلى من أضاء لنا الشعلة الأولى في الجيش العربي السوري الشهيد البطل يوسف العظمة وزير الحربية الذي اختار طريق الشهادة وهو يعلم علم اليقين بأنه الطريق الوحيد الذي يصون الكرامة، فانطلق مدافعاً عن أرض الوطن حتى لا يسجل في صفحات التاريخ بأن الغزاة دخلوا دمشق دون مقاومة، وأعطانا في الجيش العربي السوري المثل والقدوة بأن طريقنا هو طريق الشهادة أو النصر والشهادة أولاً لأنها طريقنا إلى النصر.
هذه الأمور التي ذكرناها هي من أهم معاني ودلالات الجلاء الذي أصبح ملهماً وموحداً لجميع السوريين على اختلاف أطيافهم، كما أصبح درساً لهم في أهمية الحفاظ على هذا الوطن الغالي وعدم التنازل عن كرامته مهما اشتدت الضغوط وعدم الرضوخ لإرادة المستعمرين.. وهذا ما جسده جيشنا الباسل على مدار عشر سنوات في مواجهة حرب إرهابية تكفيرية لم يشهد التاريخ مثيلاً لها، حيث لم يترك الأعداء نوعاً من أنواع الحروب العسكرية أو النفسية أو الحرب الإعلامية والتضليلية أو الحرب الاقتصادية إلا مارسوها، ولكنهم فشلوا وسيفشلون لأننا أبناء هذه الأرض وأبناء هذا الشعب العظيم الذي يمتلك الحق والإرادة، ومن يمتلك الحق والإرادة ويكن نصيره الشعب فلن يهزم أبداً.
وسننتصر بتلاحمنا ومحبتنا ووحدتنا الوطنية التي تتجلى بثلاثية رائعة هي سر صمودنا تتمثل في الشعب العظيم والقائد الشجاع الحكيم والجيش الباسل الذي أثبت أنه جيش الوطن، وطن النور والمحبة والسلام.
سورية مهد الحضارات
وأوضح العميد جازية بالقول: إن الوفاء هو من شيم النفوس الشريفة والأخلاق الكريمة وإن كان للأشياء رأس فرأس الأخلاق هو الوفاء، والوفاء صفة متأصلة لدى الشعب السوري، لأن هذا الشعب هو سليل حضارة عريقة وتاريخ مجيد، وهذه الأرض الطاهرة كانت مهد الديانات السماوية، منها انطلق أول شراع وكانت فيها أول أبجدية وأول حبة قمح، فسورية هي قصيدة عشق إلهية وشعلة ربانية انطلق منها النور والعدل والمحبة والتسامح إلى كل أرجاء العالم، وهي بما تحتويه من إرث حضاري وإنساني كانت مثار إعجاب كل العالم ومحط أنظارهم، يقول الباحث الفرنسي شارل فيرلو الذي فك رموز أبجدية أوغاريت: لكل إنسان في العالم وطنان وطنه الأم وسورية، لأن سورية أم الحضارات فكل إنسان أصيل يعيش في هذا الوطن يتنفس هواءه ويشرب من مائه وكبريائه ويحلّق في سمائه سيكون وفياً له دون حدود، فالوفاء يتشكل نتيجة علاقة الإنسان بالمكان فكيف إذا كان المكان هو سورية مهد الحضارات بما يكتسبه من أهمية وتاريخ وذكريات، حيث يصبح هذا المكان شيئاً من الروح والقلب يجري في العروق راسخاً في الضمير والوجدان.
رجالات الجلاء وقفوا وقفة رجل واحد في وجه المستعمر
وترجع أهمية الوفاء من كونه يشكل الينبوع الصافي الذي لا ينضب، والذي يغذّي خيال الأجيال المتعاقبة ليس بالكلمات والقصائد والدفقات الحماسية فقط وإنما بترسيخ قيم عليا تُحفَر في العقول والقلوب فتتحول المفردات إلى قناعات، والقناعات تتحول إلى عقيدة راسخة وإرادة صلبة تتجلى في حب هذا الوطن والدفاع عنه ضد أي مستعمر غاشم أو غازٍ دخيل، وهذا ما جسده أجدادنا ورجالات الجلاء الذين وقفوا وقفة رجل واحد في وجه المستعمر الغاشم، فكانوا منارات ورموزاً في الوطن لمختلف أبناء شعبنا، واليوم يسطر رجال الجيش العربي السوري هذه المعاني من خلال قوافل الشهداء التي قدموها خلال عشر سنوات، وذلك من خلال تاريخهم وإرادتهم التي لا تعرف طريقاً إلا طريق النصر.
وشدد العميد جازية على وجود علاقة وثيقة تربط الأدب بالتاريخ، فالأدب يستمد مادته من بطون التاريخ وصفاً وتدويناً، ولكن ما يميز الأدب عن التاريخ أن الأخير يعتمد الحقائق، أما الأدب فيطرح نفسه باعتباره شكلاً فنياً على شكل قصيدة، قصة، خاطرة.
والأدب هو واحة ظليلة يفيء إليها الإنسان فتغسل ما في نفسه من هم وعناء، وتغرس في وجدانه القيم السامية الأصيلة وتفتح أمامه آفاقاً من الجمال والمتعة والفائدة، وهو يعتمد في مادته على الكلمة، والكلمة هي البريد الوارد إلى القلب والعقل، وهي غذاء الروح والسبيل للوصول إلى الإقناع والتفاهم، وهي مشتقة من الكلم وهو التأثير المدرك بإحدى الحاستين السمع والبصر، ولكن يجب أن تحمل هذه الكلمة قيمة معنوية، وأن تكون خفيفة على اللسان سهلة النطق والجريان، وأن تكون لها أهداف وضوابط، فلكل مقام مقال، وأن تحاط هذه الكلمة بسياج العقل والأدب، وأن تلبس ثوب الصدق والشفافية، وهذا حال الكلمات التي كتبها الأدباء والشعراء يوم تلاقت فيه إرادة الأرض بإرادة السماء، لتكتب بأحرف من نور تاريخ وطن.. تاريخ أمة.. تاريخ الجلاء.
الأدباء والشعراء عروا جرائم المستعمر الفرنسي
وأضاف أنه لا شك أن للأدب عامة وللشعر خاصة دوراً في التعبير عن أفراح الشعب بالاستقلال، وقبل الجلاء كان لهم دور بارز في التشهير بجرائم المحتل الفرنسي وحث الثوار على الكفاح والثورة على المحتل وإلهاب مشاعرهم الوطنية، وهذا ما أثار نقمة المحتل عليهم، وزج بهم في السجون، ومنهم من كان يناضل بالكلمة والبندقية، فعلى سبيل المثال كتب الشاعر نجيب الريس قصيدة عام 1922 وهو في سجن قلعة أرواد يؤكد استمرار الكفاح ويبشر بشمس الجلاء قائلاً:
يا ظلام السجن خيّمْ
إننا نهوى الظلاما
ليس بعد الليل إلا
فجر مجد يتسامى
إيه يا دار الفخار
يا مقر المخلصينا
قد هبطناك شباباً
لا يهابون المنونا
وتعاهدنا جميعاً
يوم أقسمنا اليمينا
لن نخون العهد يوماً
واتخذنا الصدق دينا
ومن القصائد المشهورة التي نددت بجرائم المحتل قصيدة ألقاها أحمد شوقي في حشد جماهيري في القاهرة جاء فيها:
سلام من صبا بردى أرقُّ
ودمع لا يكفكف يا دمشقُ
بلادٌ ماتَ فتيتها لتحيا
وزالوا دون قومهمُ ليبقوا
وللحريةِ الحمراء بابٌ
بكل يد مضرجةٍ يدُقُ
جزاكم ذو الجلال بني دمشق
وعزّ الشرق أولهُ دمشقُ
لقد جاء الجلاء بعد نضال متواصل بذل فيه شعبنا الأرواح رخيصة في سبيل الوطن، ولعل قصيدة عروس المجد التي ألقاها عمر أبو ريشة أنموذج رائع يبين فيه أنه لولا تلك الدماء الزكية لم يكن للأجيال أن تنعم بالاستقلال فقال:
يا عروس المجد تيهي واسحبي
في مغانينا ذيول الشهب
لن تري حفنة رمل فوقها
لم تعطر بدما حر أبي
ياعروس المجد طال الملتقى
بعدما طال جوى المغترب
قد عرفنا مهرك الغالي فلم
نرخص المهر ولم نحتسب
وأرقناها دماء حرة
فاغرفي ما شئت منها واشربي
ويقول خليل مردم بك في قصيدته يوم ميسلون:
أيوسف والضحايا اليوم كثر
ليهنك كنت أول من بداها
غضبْتَ لأمة منها معد
فأرضيت العروبة والإلها
بعد التعبير عن الفرحة بالجلاء يقول الشاعر شفيق جبري:
حلم على جنبات الشام أم عيد
لا الهم هم ولا التسهيد تسهيد
أتكذب العين والرايات خافقة
أم تكذب الأذن والدنيا أغاريد
أما الشاعر بدر الدين حامد فيقول:
يوم الجلاء هو الدنيا وزهوتها
لنا ابتهاج وللباغين إرغام
يا راقداً في روابي ميسلون أفقْ
جلت فرنسا وما في الدار هضام
أما أنا فأقول في هذه الذكرى العظيمة ذكرى جلاء المستعمر الفرنسي عن أرض الوطن:
حيَّ الجلاءَ بخافقي ولساني
واعزف لهُ ما شئت من ألحاني
ما كان إجلاءُ الغزاة عن الحمى
إلّا حصاد شجاعةِ الشجعانِ
تزهو البلادُ بمن بنوا أمجادها
بالعزم والتصميم والإيمانِ
تزهو بقائدها وصانع فجرها
أسد الشآمِ وفارس الميدانِ
وختم العميد جازية كلامه بالقول: بهذه المناسبة الغالية على قلوبنا التي تعبر عن صمود سورية واستمرارية نهجها المقاوم: أوجه التحية لرجال قواتنا المسلحة الذين يبذلون كل غالٍ ونفيس للقضاء على الإرهاب والحفاظ على الأمن والاستقرار في ربوع الوطن.
وشدد على أن الجيش العربي السوري كان وسيبقى سيف الوطن ودرعه وحصنه وقلعته الصامدة والقادرة على حماية أمنه وسيادته وكرامته، وقال: نحن اليوم أكثر قوة وأشد تصميماً على متابعة مسيرة البذل والعطاء والبناء بقيادة السيد الرئيس الفريق بشار الأسد، وعهداً نقطعه على أنفسنا أن تبقى قواتنا المسلحة الباسلة عند حسن الظن بها المؤسسة الوطنية المتمسكة بالثوابت الوطنية المُشرِّفة والمستعدة دائماً لبذل التضحيات مهما بلغت دفاعاً عن أمن الوطن والمواطنين، فلا بديل عن تحرير كامل أراضينا من رجس الإرهاب وداعميه عاجلاً أم آجلاً، وهذا حقنا وواجبنا الذي نعتز به ونفتخر.