أجرى اللقاء راغب العطيه:
من يوسف العظمة، وسلطان باشا الأطرش، وحسن الخراط، وصالح العلي، وإبراهيم هنانو، إلى يومنا هذا، لا تزال سورية تسجل ملاحم البطولة، ليختلف شكل الاستعمار وأدواته، ولكن يبقى هدفه، وأجنداته واحدة، ولتؤكد وقائع الميدان أن الجلاء والاستقلال لم ولن يكون يوماً هبة من المستعمر، بل نصر صنعته تضحيات الشعب العربي السوري، وروته دماء حماة الديار الطاهرة الزكية.
العميد طلال اسكندر رئيس فرع الدورات في الكلية السياسية العسكرية تحدث بمناسبة ذكرى الجلاء عن أهمية التدريب السياسي والعقائدي في ترسيخ قيم الجلاء لدى رجال قواتنا المسلحة الباسلة وقال إن التدريب السياسي والعقائدي في القوات المسلحة يتلخص بأنه عمل إبداعي خلاق يتوجه إلى الإنسان أولاً الحامل للسلاح لزيادة وعيه وإدراكه السياسي وخلق جملة من الصفات السياسية والمعنوية والقتالية التي تؤهله للدخول إلى المعركة ضد أعداء الأمة العربية عموماً وسورية خصوصاً، مدركاً لماذا يقاتل ومرتكزاً في ذلك على الإرث التاريخي والحضاري والنضالي للقائد المؤسس حافظ الأسد، وفكر حزب البعث العربي الاشتراكي وتوجيهات قائد مسيرة الحزب والشعب السيد الرئيس الفريق بشار الأسد، وإلى طبيعة قواتنا المسلحة الاجتماعية ومهمتها التاريخية التي تتلخص بالدفاع عن تراب الوطن وتحرير الأرض المغتصبة والقضاء على الفكر الإرهابي التكفيري واجتثاثه من جذوره.
لذلك لابد للإعداد السياسي والعقائدي أن يتوجه إلى فكر المقاتل وعقيدته بحيث يصنع منه مقاتلاً مؤمناً بأهداف بلده وأمته، مقاتلاً مقتنعاً بالتضحية والفداء في سبيل الوطن وصيانة حريته واستقلاله من خلال إيراد الأمثلة و تمجيد البطولات التي مرت في تاريخ سورية عن أولئك الرجال الذين حملوا الوطن في قلوبهم وضحوا في سبيله بأغلى ما يملكون، فقد قاتلوا وهم يعلمون أنهم أقل قدرة وأقل إمكانية وأقل عدة وسلاحاً لكنهم كانوا أكثر إيماناً وتصميماً وعقيدة لأنهم يدافعون عن الأرض والعرض والوطن والكرامة، فانطلقوا بصدورهم العارية يواجهون آلة القتل والتدمير التي حاولت الاعتداء على بلادنا، وتصدوا للمستعمر الفرنسي بإيمانهم وثقتهم بأنهم أصحاب الحق والأرض، فالجلاء مفخرة الآباء وإرث الأجداد المشرف الذي يجب أن نزرعه في فكر وعقل كل المقاتلين في الجيش العربي السوري ليحيا هذا الجلاء في نفوسهم ويترسخ في عقيدتهم ويكتب على جباههم عنواناً لكل إنسان يأتي بعدهم فكان لابد لهذا الإعداد السياسي والعقائدي أن يتوجه بشكل مباشر إلى صميم كل مقاتل يمتلك روح الفداء والنضال والمقاومة، ولإبراز هذه الشخصيات من مقاتلين كقدوة ومثال من خلال سرد الأعمال التي قاموا بها في مواجهة كافة أشكال الاحتلال، مما يذكي لدى المقاتل روح الإقدام والشجاعة والتضحية والقتال، ومثالهم الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم في مواجهة كافة أشكال الاحتلال منذ الغزو الصليبي مروراً بالاحتلال العثماني والفرنسي إلى يومنا هذا.
الجلاء مرحلة متكاملة ونهج عظيم
وأوضح العميد اسكندر انه لطالما كتب لسورية كغيرها من الدول أن تعيش احتلالات مختلفة على مدى العصور والدهور، اختلفت من حيث المسمى ما بين احتلال مباشر وهيمنة لكن جميعها اتفق من حيث الهدف، وعندما وجد الاحتلال كان لا بد من وجود المقاومة التي فجرت إشراقة جديدة لشمس الجلاء، فكان هذا الجلاء مرحلة متكاملة ونهجاً عظيماً ومسؤولية عامة بقدر ما كان حدثاً تاريخياً عابراً، بل هو إشراقة فجر قد عم ضياؤه وتردد صداه في أصقاع الدنيا ومازال فجراً متقداً يشع في أحداقنا نوراً، ويرتسم في كياننا مجداً، وينبت في نفوسنا نسغاً ويغذي أولئك الأحرار الذين اتخذوه نهجاً ونضالاً وتبنوه عهداً ووعداً في صميم كل عربي شريف.
فالجلاء هو مسيرة مستمرة وبداية عهد جديد في تاريخ سورية، فهو لم يكن استقلالاً جغرافياً وتاريخياً فحسب بل استقلال بالقيادة والسيادة والقرار والكرامة، أثبت السوريون من خلاله عبر ما يزيد على أحد عشر عاماً من العدوان الهمجي الذي يتعرضون له، أنهم أشد قوة وأكثر تصميماً مما يعتقده أولئك البغاة المارقون وبشائر النصر تلوح خفاقة في سماء الوطن مع إشراقة شمس السابع عشر من نيسان شمس الحق والإنسانية في ربيع الأوطان الصامدة والمقاومة، ربيع سورية الحقيقي المشرف الذي يتجدد وعداً وفخراً ونهجاً في ذكراه السادسة والسبعين، وهكذا فإن رسالة الجلاء استمرت عبر العقود الأخيرة وتجددت بأشكال شتى ومختلفة، التزاماً منا نحن السوريين بالعهد الذي أخذناه على عاتقنا بأن نبقى سادة قرارنا السياسي، فلا إملاءات ولا تدخلات خارجية، وبهذا عرفت سورية في محيطها العربي والدولي بأن قرارها وطني تصوغه وفق مصلحة شعبها ولو كلف ذلك الكثير، وصولاً إلى ما نشهده اليوم من احتلالات متعددة لأجزاء من الأراضي السورية نتيجة أطماع حاقدة حاولت التدخل لفرض سياسة الأمر الواقع وإجبار سورية على التنازل والرضوخ والتطبيع مع أعدائها لاحقاً، وما أشبه اليوم بالأمس، فالأمس كان الانتداب الفرنسي حيث القرار السياسي مستلب، إلى أن هب شعبنا هبة واحدة، اجتمعت فيها الآلام وتوحدت فيها الآمال وأعيد الحق إلى أهله في ذلك اليوم التاريخي العظيم.
لا تنازل عن الحقوق و لا تفريط بالمبادئ
وختم العميد اسكندر بالقول: أما اليوم فإن أبطالنا وشهداءنا الأبرار كانوا على قلب رجل واحد في اندفاعهم لطرد المحتلين والتصدي للطامعين وتطهير الجغرافيا السورية من رجسهم ومازال الكفاح مستمراً لإتمام هذه المهمة حتى آخر ذرة تراب محتلة، وليس عنا ببعيد ما يقوم به أبناء شعبنا من مقاومة باسلة وتضحيات جسام في مواجهة فلول الأميركيين الغزاة في مناطق شرق سورية، وكذلك تلقين المحتل التركي دروساً يومية قاسية في الشمال السوري، مصممين على استنهاض الهمم لتحقيق الوعد المرجو لاستعادة الجولان الحبيب واللواء السليب، “فلا تنازل عن الحقوق و لا تفريط بالمبادئ” كما قال السيد الرئيس الفريق بشار الأسد، وهكذا يبقى نبض الجلاء مستمراً خفاقاً يضخ دم العروبة والحياة والمجد والفخر في عروقنا جيلاً بعد جيل حتى اكتمال النصر وصون الهوية من أيادي العابثين.