تتداخل عوامل اجتماعية واقتصادية وتربوية في محيط البيئة التعليمية اليوم أكثر من أي وقت مضى، فعلى أرض الواقع تتوجه معظم الأحاديث والأنشطة التربوية لدى القطاع التربوي حول مشكلة التسرب المدرسي وتعويض الفاقد التعليمي للفئة ب وغيرها من المشكلات التي تجدها التربية رأس الهرم في كل ما تقوم به منذ عدة سنوات بالتعاون مع جهات داعمة. وعليه فُتحت لهذا الهدف الميزانيات والأموال الكثيرة في ورش العمل والصالات والفنادق الكبيرة.
بالفعل إن ظاهرة التسرب من التعليم بما تحمله من حرمان الأطفال من أهم مفاتيح مستقبلهم ليصبحو عبئاً ثقيلاً على المجتمع يعقبه جملة من الانحرافات وعدم التوازن النفسي أو الاجتماعي مسألة في غاية الأهمية. إلا أن هذه المشكلة بكل ما تشكله من خطورة وما يرافقها من ظاهرة عمالة الأطفال وغيرها، يجب ألا تجعل من هذا القطاع يرى بعين واحدة ويغمض الأخرى عما هو أخطر من التسرب المدرسي والذي يمثل حصاداً مراً لطلاب في مقتبل الحياة من سلوكيات وانحرافات وهم داخل الحرم المدرسي.
أليست ظاهرة تفشي التدخين بين الطلبة في جميع المراحل التعليمية وبشكل غير مسبوق، تشكل خطورة كبيرة، أليس وجود بعض حالات التفشي لحبوب المخدرات ينبئ عن خطورة كبيرة أيضاً، سلوكيات الشغب بما تحمله من ميل نحو العنف والسب والشتم فيما بين الطلبة داخل الحصص الدرسية وفي الباحات وأمام المدارس وما يرافق ذلك من مشاكل في غالب الأحيان لا يحمد عقباها، تشكل خطورة كبيرة.
إذاً نحن أمام فاقد كبير يتعلق بالقيم والسلوكيات والتربية، مهما كانت أسبابه سواء كانت داخلية تتمثل في دور الأسرة بعدم قدرتها على السيطرة على أبنائها وتزويدهم بالوعي وأهمية التعليم، أو أسباباً تتعلق بدور المدارس وفشل الإدارات في ضبط الطلاب والتعامل معهم والنقص الكبير للكادر التدريسي لمختلف المواد وخاصة لدى طلاب مرحلة التعليم الأساسي الحلقة الثانية. إلا أننا أصبحنا أمام مظلة تعليمية ملونة من الخارج وهي مكسرة من الداخل، حيث تختلط الأمور الاجتماعية مع الاقتصادية لتولد خطراً كبيراً على جيل أصبح فيه الفاقد التعليمي والسلوكي يرافق شريحة كبيرة من الطلبة وهم مازالوا على مقاعد الدراسة.
ربما نحن الآن في نهاية العام الدراسي، إلا أن ذلك لا يعني أن هذه المشكلات ستنتهي معه. وبكل الأحوال يجب أن نبحث عن الأسباب على اختلافها. فأين ما يطلق عليه تكامل الأدوار بين المدرسة والمنزل، أين المرشدون الاجتماعيون في المدارس وأين تعويض الفاقد في الكادر التدريسي الذي تتغنى به الجهات المعنية منذ سنوات، وأين الأنشطة الترفيهية الداعمة؟
إن الفراغ الكبير الذي يعانيه طلبة المدارس اليوم وخاصة في الأرياف يرفع من نسبة هذه الظاهرة في ظل غياب واضح لدور مديريات التربية والإجراءات المناسبة للقضاء عليها ومحاسبة البائعين وأصحاب المحال الذين يبيعون الدخان للأطفال ومتابعة حالات الترويج للحبوب المخدرة حتى لو كانت قليلة، وغيرها من أمور التي يفترض أن تكون أولوية لدى القطاع التربوي.
عين على المجتمع -ميساء الجردي