ثورة أون لاين-رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم: في محفل تعويم الدور الفرنسي، قبل أن تحسم الانتخابات القادمة رموزها الروحية والمادية، خرج السباق المحموم ليشمل آليات الدور لكل الأطراف المتضررة من مهمة كوفي أنان.
فبعد أسابيع من التشكيك بالمهمة والتحريض ضدها وصولاً إلى محاولة دفنها، ينتقل السباق في مرحلته الجديدة إلى حراك متوازٍ يتجسد في المواقف كما يترجم على الأرض في حالة التصعيد الهستيرية التي تمارسها المجموعات الإرهابية. فلقاء باريس أماط اللثام بشكل جلي عن تلك الحملة وأدواتها وأغراضها، وما كان يحاك في الكواليس منذ إطلاق المهمة بات اليوم يجري علناً، وما كانت تتم مداراته أصبح مكشوفاً وواضحاً على الأقل في حملة «الردح» المنظم التي شهدتها اللقاءات الباريسية! في التوقيت كانت تراهن على تحريك الشياطين عند الوصول إلى التفاصيل، بعد أن فشل رهانها على العناوين. وفي المضمون، كانت تلك الخطابات جزءاً لا يتجزأ من حملة التحريض، ومحاولة إجهاض المهمة على قاعدة الافتراض ذاته من التشكيك والتحريض والتجييش، وصولاً إلى إعلان الدعم العسكري واللوجستي للمسلحين وإن جاءت متدرجة في عملية توزيع للأدوار. فالقطري والسعودي كما التركي ذهبوا إلى حيث كانوا يعملون منذ بداية الأزمة، في اصرار على تسليح المعارضين، رغم المفارقة التي كانت تقتضي تأجيل الحديث بهذا المنطق في الوقت الحالي على الأقل، حيث من الصعب أن يتلاقى دعم المهمة مع دعم المسلحين. والأميركي المشغول بالدعم اللوجستي لم يخفِ رغبته في مساعدة الحليف الفرنسي الغارق في همومه الانتخابية التي تؤشر إلى إمكانية خروجه المبكر من سباق الحملة المنظمة على سورية، وبالتالي ربما كانت محاولة انتشاله وراء اللقاء، قبل أن ينفرط عقد التحالف الذي كانت إدارة ساركوزي لبنة أساسية وربما محورية في تحريك أحجاره على رقعة المؤامرة الكاملة، باعتبار أن خسارته قد تكشف خبايا الكواليس والغرف المغلقة، التي كانت شاهدة على صفقات مشبوهة دفعت بالفرنسيين إلى الاحتجاج على بذخ ساركوزي وجوبيه في الاستضافة الملتبسة أصلاً.
أمام هذه الدائرة المغلقة من الاحتمالات فإن الحديث الروسي بهذه الصراحة يعيد المشهد إلى سياقه العام، وبالتالي كان لابد من وضع النقاط على الحروف وتسمية الأشياء بمسمياتها، حيث محاولات احتواء خطة أنان لم تعد خافية على أحد، فيما عملية نعيها قبل أن تبدأ، وإفشالها قبل أن تنطلق، تؤشر بوضوح إلى الاتجاهات التي طفت على السطح، خصوصاً بعد أن أخذ السباق المحموم منحى تصاعدياً كانت ذروته في محفل باريس التعويمي.
في كل الأحوال، لا تبدو المقارنة جائزة بين قوى وأطراف تسعى جادة من أجل إنجاح مهمة كوفي أنان، وبين ضفة أخرى كانت وراء الأزمة وتستنفر كل طاقتها لاستمرارها، ولم توفر جهداً في سبيل وأد مهمة أنان في المهد.. لكن المقارنة رغم ذلك، قد تصلح فقط للدلالة على المؤشرات التي تفصح عنها، حين نقطع الشك باليقين، إذ إن الاختبار لم يعد وقفاً على النيات بقدر ما هو مرتبط بأفعال وتصرفات وتصريحات وممارسات خرجت عن السياق وباتت مكشوفة أمام العالم.. وله في النهاية الحكم..
وحتى يتحقق ذلك، فإن المواجهة تحتدم رغم الاختباء خلف الشعار، فالادعاء بدعم مهمة أنان بادٍ في ظاهر الكلام، لكن ما يبطنه يفصح عن النيات، فيما الممارسات على الأرض تقنع آخر المترددين في أن الخطر الذي يتهدد المهمة لم يعد محصوراً في المسلحين، بقدر ما هو في الأطراف الداعمة لهم والراعية والتي تسلحهم جهاراً وتؤويهم وتقيم معسكرات تدريب لهم.
قدم المجتمعون في باريس كل ما في جعبتهم، وحاولوا جاهدين إعادة تعويم مفلس لأدوارهم ومواقعهم وحتى خططهم، بما فيها محاولة انتشال الغريق ساركوزي بطريقة توقف مسلسل الانهيار في أركان المؤامرة.. لكن هل تمكنوا من ذلك.؟ يبقى الجواب – ولو جزئياً- في صناديق الاقتراع التي يفتتحها الفرنسيون غداً، بعد أن أكدت الأحداث استحالة التعويم!!.
a-k-67@maktoob.com