تدمير الرقة جريمة حرب.. متى تتحمل واشنطن مسؤولياتها القانونية والمادية؟

عبد الحليم سعود:
لا يختلف متابعان حول الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال الأميركية في مدينة الرقة حيث أدت الحملة العسكرية للتحالف الذي قادته الولايات المتحدة بذريعة محاربة تنظيم داعش الإرهابي إلى سقوط الآلاف من المدنيين بين قتيل وجريح، كما خلف القصف المستمر بلا هوادة طيلة أربعة أشهر دماراً واسعاً بالمدينة، وحوّل منازلها ومنشآتها ومرافقها الأساسية إلى أنقاض.
وقد وجد الأهالي أنفسهم بين شقي رحى القتال الدائر بين الطرفين في مدينة صارت أشبه بمصيدة الموت، إذ تعذر عليهم الفرار بسبب نيران قناصة التنظيم الإرهابي وألغامه الأرضية، بينما راحت نيران القصف الجوي والمدفعي العشوائي من جانب قوات التحالف اللا شرعية تحصد أرواحهم في بيوتهم.
فخلال الفترة بين حزيران وتشرين الأول 2017، شنت قوات التحالف الأميركي، الذي يضم أيضاً المملكة المتحدة وفرنسا ودول أخرى، الآلاف من الضربات الجوية والمدفعية دعماً لما يسمى مليشيا قسد، بزعم تحرير مدينة الرقة من تنظيم داعش.
فإلى ما قبل هذه الضربات، ظلت الرقة خاضعة لحكم التنظيم الإرهابي لما يقرب من أربع سنوات، حيث ارتكب مقاتلو التنظيم المدعومين من واشنطن ودول غربية وخليجية جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وقاموا بتعذيب أو قتل كل من يجرؤ على مخالفتهم.
ويزعم التحالف الأميركي أنه اتخذ كافة الإجراءات الضرورية لحماية المدنيين والحفاظ على أرواحهم أثناء حملته العسكرية، لكن الوقائع على الأرض وشهادات الكثير من المدنيين الذين تمكنوا من الفرار قبل وأثناء القصف الجوي والمدفعي تؤكد ارتكاب القوات الأميركية وحلفائها ومليشياتها الكثير من جرائم الحرب بحق المدنيين وتدمير المدينة بشكل شبه كامل بحيث يستحيل السكن فيها بسبب ما لحق بمنازلها وبنيتها التحتية من أضرار فادحة.
وقد قامت منظمة العفو الدولية بتحقيقات مستفيضة على أرض الواقع في الرقة، وشاركت إلى جانبها منظمة “أيروورز” Airwars في عمليات المراقبة والتحليل عن بعد للوقوف على آثار الحملة العسكرية على المدنيين، وتوصلتا إلى أن الغارات الجوية والقصف المدفعي أديا إلى سقوط الآلاف من المدنيين بين قتيل وجريح، كما أسفرا عن تدمير عدد من المباني برمتها، وإزهاق أرواح عائلات بأكملها.
فعلى مدى خمسة أشهر، تم إطلاق30 ألف قذيفة مدفعية على المدينة بحجة تدمير أهداف تابعة للتنظيم، وهو ما يفوق ما أطلقته أي كتيبة مدفعية أخرى تابعة لمشاة البحرية الأميركية منذ حرب فيتنام، وتقول المنظمتان إن قوات التحالف لم تميز في هجماتها بين الأهداف العسكرية والمدنيين، لتؤكدا أن مثل هذا السلوك ينتهك مبدأي التمييز والتناسب اللذين يُعدَّان من المتطلبات الأساسية للقانون الدولي الإنساني، أي أن الهجمات العشوائية أو غير المتناسبة هي جرائم حرب.
وليس سراً بأن الولايات المتحدة قد شنت عدوانها، وتدخلت في سورية دون أي إذن من الدولة السورية ودون موافقة الأمم المتحدة ما يفرض عليها دفع كامل التعويضات المادية عن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للمدينة وبالمدنيين، لأنها قوة احتلال والقانون الدولي يفرض عليها دفع مثل هذه التعويضات وهو من حق الدولة السورية والشعب السوري المطالبة به والحصول عليه لأنه مستحق.
لقد اعترفت قوات التحالف الأميركي بمقتل 159 مدنياً في مدينة الرقة، وهو رقم لا يكاد يبلغ 10% من العدد الحقيقي، بدون إجراء تحقيقات أو مقابلات مع الناجين والشهود في الرقة، ولذلك يجب على التحالف تحمل المسؤولية الكاملة عن مقتل هذا العدد الكبير من المدنيين في الرقة.
وقد حثت منظمة العفو الدولية ومنظمة “أيروورز Airwars” قوات التحالف اللاشرعية على إنشاء آلية مستقلة ومحايدة لتتولى التحقيق في جميع الأنباء المتعلقة بما لحق بالمدنيين من أضرار، بما فيها انتهاكات القانون الدولي الإنساني ونشر المعطيات على الملأ، بالإضافة إلى إنشاء صندوق لضمان حصول الضحايا وعائلاتهم على التعويضات وجبر الضرر بشكل كامل.
تقول المادة 150 من القانون الدولي الإنساني بأنه على الدولة المسؤولة عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني بالتعويض الكامل عن الخسائر أو الأذى الذي تسببت به انتهاكاتها.
كما يُشار إلى أنه من واجب الدولة المعتدية القيام بالتعويض عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني بشكل واضح في البروتوكول الثاني لاتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية، وقد ورد ذلك ضمناً في القاعدة التي تتضمنها اتفاقيات جنيف، حيث لا يجوز للدول أن تتحلل من المسؤوليات التي تقع عليها أو أن تحلّ طرفاً متعاقداً آخر منها في ما يتعلق بالمخالفات الجسيمة الواقعة.

وفي التاريخ الحديث أمثلة كثيرة عن قيام الجهات المعتدية بتعويض الضحايا والمتضررين ففي العام 1991، أعلنت ألمانيا قبولها القاعدة التي مفادها وجوب إعادة الممتلكات الثقافية بعد انتهاء العمليات العدائية، وذكرت أيضا أنها قد أعادت الممتلكات الثقافية في جميع الحالات التي وجدت فيها وتم التعرف عليها. وفي حالات أخرى، دفعت ألمانيا تعويضات للدول التي كانت المالك الأصلي.
وفي العام 2001، توصلت روسيا وبلجيكا إلى اتفاق بشأن إعادة المحفوظات العسكرية إلى بلجيكا، والتي سرقها النازيون أثناء الحرب العالمية الثانية وأخذتها القوات السوفييتية إلى موسكو في ما بعد. ووافقت روسيا على إعادة هذه المحفوظات شريطة أن تُدفع لها كلفة الحفاظ عليها.
ومن الأمثلة الأكثر حداثة على جبر الضرر لأفراد على أساس اتفاق بين الدول، الاتفاق بشأن الأشخاص اللاجئين والنازحين الملحق باتفاقات دايتون الذي أنشأ اللجنة الخاصة بالإدعاءات بشأن عقارات الأشخاص النازحين واللاجئين في البوسنة والهرسك، والذي فوّض اللجنة، من بين أمور أخرى، النظر في مطالب إعادة العقارات، وكذلك التعويض عن خسارة الملكية في سياق العمليات العدائية منذ العام 1991، والتي لا يمكن إعادتها إليهم.
لذلك فإن لسورية الحق الكامل والقانوني بمطالبة واشنطن وشركائها في التحالف المزعوم ضد داعش دفع تعويضات عن الأضرار التي لحقت بمدينة الرقة وبأهلها وتعويض الناجين عن ممتلكاتهم المدمرة وكذلك الجرحى والمصابين بتشوهات وإعاقات مستدامة بسبب الجرائم الأميركية، وهو حق يكفله القانون الدولي الإنساني وقد أكدت اتفاقيات جنيف ولاهاي على هذا الحق.

آخر الأخبار
محافظ حلب : دعم القطاع التجاري والصناعي يشكل  الأساس في عملية التعافي د. الرداوي لـ "الثورة": المشاريع الكبرى أساس التنمية، والصغيرة مكمّلة مبادرة "تعافي حمص"  في المستشفى الجامعي اندلاع أكثر من عشرة حرائق في اللاذقية وإخماد ثلاثة منها حريق يستعر في حي "دف الصخر" بجرمانا وسيارة الإطفاء بلا وقود تسريع إنجاز خزان المصطبة لمعالجة نقص المياه في صحنايا صيانة 300 مقعد دراسي في مدرسة المتفوقين بحمص صيانة 300 مقعد دراسي في مدرسة المتفوقين بحمص معالجة التعديات على عقارات المهجرين.. حلب تُفعّل لجنة "الغصب البيّن" لجنة فنية تكشف على مستودعات بترول حماة الشمس اليوم ولاحقاً الرياح.. الطاقات المستدامة والنظيفة في دائرة الاستثمار صياغة جديدة لقانون جديد للخدمة المدنية ..  خطوة مهمة  لإصلاح وظيفي جذري أكثر شفافية "الشباب السوري ومستقبل العمل".. حوار تفاعلي في جامعة اللاذقية مناقشات الجهاز المركزي مع البنك الدولي.. اعتماد أدوات التدقيق الرقمي وتقييم SAI-PMF هكذا تُدار الامتحانات.. تصحيح موحّد.. وعدالة مضمونة حلاق لـ "الثورة": سلالم التصحيح ضمانة للعدالة التعليمية وجودة التقييم "أطباء بلا حدود" تبحث الواقع الصحي في درعا نهضة جديدة..إقبال على مقاسم صناعية بالشيخ نجار وزير الخارجية اللبناني: رفع العقوبات عن سوريا يساعدها بتسريع الإعمار ترميم قلعة حلب وحفظ تاريخها العريق