الثورة – تحليل لميس عودة
تلاشى شبح نتائج الانتخابات الفرنسية الذي كان يخيم على مشهد الترقب والخشية الأميركية والأوروبية من تسلم مارين لوبان التي لطالما دعت لقص الحبل السري الذي يربط فرنسا بالاتحاد الأوروبي، وإخراج باريس من عباءة التبعية والهيمنة الأميركية، الأمر الذي شكل هاجس ذعر لواشنطن في وقت تمعن فيه بزج القارة العجوز إلى منزلقات خطيرة وتداعيات نقص إمدادات الطاقة وعوز النفط والغاز والحبوب، وتلعب على حبال الأزمة الأوروبية بتعقيدها والضغط على زناد تفجير الأوضاع وعدم احتوائها، ومنع التوصل لحلول تنهي الحرب في أوكرانيا التي قادت إليها الرغبة الأميركية المحمومة لتطويق موسكو بزنار الحصار وتهديد الأمن القومي الروسي.
المخاوف التي كانت ترخي بظلالها من احتمالات فوز اليمين المتطرف الذي تمثله لوبان بأجنداته المغايرة لنهج وسياسات ماكرون أوروبياً ودولياً، خاصة في ما يتعلق بالحرب الأوكرانية، واحترامه حق موسكو بالدفاع عن نفسها، والإقرار بأن روسيا دولة عظمى لا يمكن شطبها عن خريطة التوازنات الدولية، شكل خلال الفترة الماضية بواعث قلق أوروبي وأميركي، وما أظهرته استطلاعات الرأي السابقة دفعت كثيرين للقول إن فوز لوبان المحتمل قد يكون نهاية للمشروع الأوروبي الذي تشكل باريس أهم أركانه بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إضافة لانسحابها من حلف شمال الأطلسي الذي كان في صلب برنامج لوبان الانتخابي. وهذا ما يفسر دعوة بعض الساسة الأوروبيين لإعداد خطط طوارئ لما وصفوه بالسيناريو الكابوس ما يمثل تهديداً حقيقياً لمستقبل ما يصفونه بالوحدة الأوروبية.
فوز ماكرون بولاية رئاسية ثانية، لا شك أنه يعزز سبل الهيمنة الأميركية على القرار الفرنسي وخدمة المصالح الأميركية رغم طعنات اتفاقية أوكوس في ظهر الولاء الفرنسي للعم سام، إلا أن تقلص الفارق بين اليمين، وحزب ماكرون يظهر بوضوح حدة الانقسام في الشارع الفرنسي حول السياسات الفرنسية في ما يتعلق بالأزمات الداخلية والخارجية، فانقسام الشارع الفرنسي الذي أظهرته نتائج الانتخابات يوضح الشروخ والتصدعات العميقة في البنية السياسية الفرنسية ويعطي انطباعا بعدم الرضا عن سياسات الاليزيه بشكل عام، سواء بالانخراط في حلف الناتو وتهميش الوضع الداخلي أم بالتماهي مع مشاريع الهيمنة الأميركية الاستعمارية على حساب مصالح الفرنسيين .
بعيداً عن نتائج الانتخابات الفرنسية وتنفس واشنطن الصعداء بعدها، وتهليل دول الغرب التابع لها، إلا أن المشهد الأوروبي بات يعج بسحب الأزمات الاقتصادية التي تثير استياء الأوروبيين وتنعكس على حياتهم بالمجمل، وتهز اقتصادات دولهم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تغافل حكام الغرب عن رؤية المشهد الدولي الذي يجري رسمه بألوان تعدد الأقطاب سيضعهم على مفترق طرق حروب وأزمات وتوتر علاقات، ما لم يفتحوا عيون عقولهم و بصائرهم بمآلات المتغيرات التي تضع روسيا والصين في مراكز ثقل عالمي وازنة، وإدراك الغايات الأميركية من وراء تسعير الأحداث في أوروبا، واستخدامها حطباً في أفران مصالح تمدد النفوذ الأميركي.
السابق
التالي