الملحق الثقافي – سلام الفاضل
ليس سراً أن الإعلام السوري كان ومازال سباقاً بين وسائل الإعلام العربية، في كشف زيف الإعلام الغربي، وقد نبه إلى ما تخطط له واشنطن منذ عقود، في ذاكرة اليوم نستعيد هذا المقال الذي نشرته صحيفة الثورة منذ عام 2005م ولنتابع الوقائع :
بات الحديث عن عولمة الإعلام العالمي والعربي شغلنا الشاغل، لكن هل خطر في بال أحدنا كيف تنعكس هذه العولمة على أصحاب مروجي العولمة؟
أو هل تنعكس هذه العولمة على شعوب مروجيها بذات النسبة التي تتأثر بها الشعوب العربية؟.
دعونا أولاً نلاحظ الفرق بين العولمة والأمركة، فقط استوقفني الفرق بين المصطلحين وأنا اقرأ كتاب العولمة والأمركة للكاتب موفق النقيب، هذا الكتاب يجعل القارىء يتفاعل معه ولاسيما في طرح أسئلة لابد من الإجابة عنها.
مما لاشك فيه أن العولمة تحمل في طياتها بوادر خيرة على اعتبار أنها تريد تحقيق التماهي بين بلدان العالم فلا فرق، بعد هذا التماهي، بين أميركي أو شرق أوسطي على سبيل المثال، بينما الأمركة تريد أن تبلع العولمة أن صحت التسمية وتحرفها عن مسارها الإنساني بالاتجاه الامبريالي العالمي الذي تقوده أميركا طبعاً، هذه نتيجة استخلصتها من قراءات عديدة تبحرت فيها في مفهوم العولمة، وفي عودة إلى كتاب العولمة والأمركة، توقفت مع المقطع الخاص بالإعلام وتأثيره على العالم، حيث يقول الكاتب (الإعلام والدعاية والتقنيات والمعارف، مثل أجهزة الانترنيت والفضائيات وآلات الاستقبال والإرسال التي تختصر العالم كله باقل من عشر الدقيقة في نشر الخبر أو الفكرة أو الدعاية أو المعلومة لكل إنسان في هذه الأرض مهما كان قريباً أو بعيداً من مكان إرسالها.
إذا قد يكون أو يمكن الجزم بأن الإعلام هو الأداة الأنجح لترويج العولمة الأميركية، وهذه الأخيرة ليست بريئة في جميع الأحوال فهي وقبل كل شيء تسعى لتحويل العالم ولاسيما العرب من مصدري العلم والمعرفة والثقافة الى مستهلكي ثقافة (الاكسبرس)من جهة أخرى فإن العولمة الأميركية تسعى جاهدة لتسطيح أو تجميد الفكر العربي وتتخذ الإعلام وسيلة فعالة لتحقيق أهدافها المدمرة على المدى البعيد.
وفي العودة إلى السؤال المطروح بداية حول انعكاس العولمة الإعلامية على شعوبها ولاسيما الشعب الأميركي بالتحديد، لابد من إجابة ممهورة بقرائن وحجج ولكي أقدم قرينة أو حجة مقنعة لابد لي من ذكر ماشاهدته بينما كنت أتابع أحد الأفلام الأميركية، وأنا عادة لا أتابع هذه الأفلام لما فيها من المبالغة والخيال الوهمي وتحقيق إسطورة البطل الوحيد الذي يجسد أميركا، لكن موضوع الفيلم شدني لدرجة أنني لم أستطع مقاومة المتابعة، حيث تتبلور أحداث الفيلم حول مليونير أميركي همه الوحيد السيطرة والربح المشروع وغير المشروع، أما البطلة فهي فتاة جميلة اقتناها الرجل المليونير أما حبكة الفيلم فتنطلق عندما تجري إحدى المحطات الإذاعية الأميركية لقاء مع صديقة المليونير، فيتضح غباء الفتاة الفاضح، ما يضطر المليونير إلى إحضار معلم يقوم برفع معدل الذكاء عندها، ثم تتسارع الأحداث حيث يعجب المعلم بالفتاة ويسرع في تعليمها عدة أجوبة مسبقة لمواضيع يتحدث الأميركيون بها عادة مثلا:الأميركيون(يحبون المال والسلطة والسيطرة- مشكلة الشرق الأوسط متعبة وأميركا تضطر لتنصيب نفسها شرطياً على العالم، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بالوقوف مع أصدقائها) إلى آخر الجمل التي تعري المجتمع السلطوي الأميركي، أما الشعارات التي ترفعها أميركا وهي حرية الدين والكلام والصحافة، العبودية لاغية، تملك المال لكن حياتك وسخة.. وهنا تكمن المفارقة بين الشعارات والتطبيق الفعلي لها، فعندما يصفع المليونير البطلة لأنها لاتريد أن تنصاع لنهمه الجشع أمام المال والسيطرة، تقول له نحن في بلد الحرية، فيجيبها إذا أنت لاتعلمين في أي بلد تقيمين، وعندما تطالبه باحترام القانون يجيبها أنا القانون وما أراه هو الصحيح، وينتهي الفيلم بالمساومة بين البطلة ومعلمها وبين المليونير في تقديم الفريق الأول الأوراق والمعاملات غير المشروعة إلى الصحافة، وفي محاولة الأخير منع نشرها، وتنتهي المساومة في عقد صفقة تمنع الفريق الأول من تقديم الأوراق إلى الصحافة.
هذا الفيلم هو محاولة أميركية لتنمية نزعة حب السيطرة والمال عند الشعب الأميركي، كما تنمي مفهوم أن أميركا هي القانون، ويجب ـن تسيطر على العالم كله وتنصب نفسها حاكماً تحاسب الآخرين ولايحاسبها أحد.
أما وسيلتها لتحقيق ذلك فهي الإعلام بمختلف أنواعه سواء الأفلام أو المسلسلات أو حتى الأغاني الأميركية..
لكن هل تنعكس العولمة الأميركية على شعوب مروجيها بذات النسبة التي تتأثر بها الشعوب العربية؟
الوضع هنا مختلف تماماً، فما تحاول دسه تلك العولمة، هو جر الشعوب العربية للوقوع في تيارات ومهاترات داخلية من خلال إثارة الفتن داخل كل بلد عربي، وصرف هذه الشعوب عن قضاياها الأساسية وحقوقها، يساعدها على ذلك بعض المحطات العربية أو الأجنبية الدخيلة، حتى مسألة الحوار والرأي والرأي الآخر تحاول بل يتم تحجيمه بما يتواءم ومصلحة أميركا في جعل هذه الشعوب تدخل في متاهة المهاترات غير المجدية، ومانراه على شاشاتنا العربية خير مثال، وسنفرد للحديث عن هذا الموضوع في مادة أخرى، لكن سياق الحديث عنها يندرج حول خطر هذه العولمة الأميركية على الشعوب العربية، التي تدخل إلينا عبر تلك البرامج التلفزيونية التي تثير النزاعات العرقية والطائفية وتبحث عن ثغرة بسيطة تجعل منها حفرة كبيرة تجر الجميع للوقوع بها، فتنغمس محطاتنا الإعلامية العربية في أمور ضحلة، بينما يخطط البعض في العالم الآخر لتقاسم خيرات الوطن.
ويبقى السؤال: نسمع باللجان التحضيرية لاجتماع وزراء الإعلام العرب وحتى اجتماع الوزراء أنفسهم دون أن نجد نتيجة ملموسة لهذه الاجتماعات فما السبيل لبلورة الواقع الإعلامي العربي ووضع خطة إعلامية عربية لوقف هذا الإرهاب الفكري الإعلامي الذي تمارسه عولمة أميركا.
رقم العدد 1097
التاريخ: 31/5/2022