افتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير – أحمد حمادة:
لأنه كيانٌ لقيطٌ، ونشأ على عقدة “الغيتو”، وتربى مستوطنوه على أفكار العنصرية وسرقة حقوق الآخرين، ولأنه يدرك أنه عابرٌ في تاريخ المنطقة وحضارتها وتراثها ونسيجها، فإنه يحاول جاهداً أن يثبت للعالم أنه جزء منها، وبات راسخاً فيها، لذلك نراه يكثر من نسج الرايات الزرقاء، ويطلق الآلاف منها فوق رؤوس المستوطنين، علها تعوض عن شعورهم بالنقص، وعقدة وجودهم الطارئ في فلسطين، وكذا كان الحال في الأيام الماضية، في ما سمّي “مسيرة الأعلام”.
هذه المسيرة سمتها حكومة الاحتلال ومتطرفوها “رقصة الأعلام” أيضاً، فحملوا رايات احتلالهم الزرقاء، وطافوا بها في أحياء القدس، محتفلين بذكرى احتلال شطرها الشرقي، وتباهى رئيس عصابتهم “نفتالي بينيت” بفعلهم الشنيع مقدّماً التهنئة لكل من ساهم فيها وسار معها، ومنح الترخيص لمنظميها، وسمح لهم باستفزاز الفلسطينيين في قلب أحيائهم، وأطلق لحمايتهم عدة آلاف من شرطة الاحتلال وجنوده.
وكعادة هذا الكيان المارق، فإنه لم يعر أي اهتمام لقرارات الأمم المتحدة، ولا للقوانين والشرعية الدولية، التي تقرُّ باحتلال القدس، ولم يهتم بأيّ احتجاجات دولية على خطوته الاستفزازية، ولم يحسب أي حساب لانتفاضة أهلنا في فلسطين على عمله العدواني المذكور بحق المقدسيين والفلسطينيين والعرب، وكذا كان الحال مع واشنطن التي ابتلع لسانها “القط الصهيوني”، ولم تنبس ببنت شفة عن انتهاك حقوق الفلسطينيين وجرائم الاحتلال بحقهم.
وكما نعلم ليس بـ”رقصة الأعلام” وحدها يحاول الكيان (العابر على تاريخ المنطقة) إثبات وجوده، ولا بـ “مسيرة الأعلام” وحدها يحاول مستوطنوه المتطرفون إثبات انتمائهم المزيف لأرض فلسطين، بل بألف صورة وصورة، وعبر ألف باب وباب.
فهم يحاولون اختراع أيّ إرثٍ لهم على هذه الأرض العربية، لأنه لا جذور لهم فيها ولا تاريخ، وهم الوحيدون في هذا العالم المترامي الأطراف الذين يحاولون اختراع إرث مزور ومزيف، ليثبتوا أنهم من نسيج هذه المنطقة مهد الحضارات، وهم الوحيدون الذين ينحتون حجارة عليها نقوش مزيفة، ويدفنونها تحت التراب، ثم يخرجونها تحت عدسات المصورين، ويزعمون أنها تعود لآلاف السنين، كي يجدوا لأنفسهم مكاناً تحت شمسها.
لكن على العالم كله أن يدرك أن أصحاب “رقصة ومسيرة الأعلام” ينظمون خيبتهم تلك في أرض ليست أرضهم، ورموزها وآثارها وحجارتها ليست رموزهم وحجارتهم وآثارهم، ومهما ملؤوا السماء براياتهم الزرقاء فلن تشرعن احتلالهم، ولن تكون لهم القدس الشرقية ولا فلسطين إلا في خيالهم المريض وأوهامهم القاصرة.
وليدرك العالم كله أنهم أقاموا في الماضي متاحف صهيونية في القدس المحتلة، ونقلوا الآثار العربية إليها بحجة أنها يهودية، وسرقوا المخطوطات القديمة وعرضوها في المتاحف العالمية على أنها إسرائيلية، كما كان الأمر مع (لفائف البحر الميت)، ومع ذلك كشف القاصي والداني كذبهم وزيفهم.
وقد رأى العالم مراراً كم حفروا تحت المسجد الأقصى للبحث عن حجر واحد يدل على الهيكل المزعوم فلم يجدوا، وكم حاولوا طمس الهوية العربية ولم يفلحوا، واليوم يتخمون سماء القدس برايات احتلالية، لعلها تخدم أمانيهم المريضة، لكن شبان الانتفاضة كانوا لهم بالمرصاد، وأفشلوا مسيرتهم، وليرقصوا اليوم وغداً “رقصة الأعلام” فلن يجنوا منها إلا الخيبة.
رئيس تحرير صحيفة الثورة
التالي