ارتكب بعضنا خطأً كبيراً بالرهان فقط على خشية العدو، من استجلاب مواجهةٍ قد تتدحرج إلى حربٍ شاملة، وهي حرب الهاجس”الإسرائيلي” الأكثر رُعباً، لذلك كانت الصورة النهائية ليوم ما تُسمى بـ”مسيرة الأعلام”، ليست في صالح معادلة الردع التي أنشأتها معركة سيف القدس أيّار 2021، وكان الرهان أن يتراجع العدو في اللحظات الأخيرة، لكنه ولأسبابٍ كثيرة لم يتراجع، ما أدّى إلى اكتسابه نقاطاً عدة، وهذا خطأ من الواجب استدراكه حتى لا يشعر الكيان المؤقت، بأنّه يملك الخيارات، وأنّ لديه ترف الاختيار، بل يجب أن يظل في حالة تحجيم، ويظل مدركاً لحجمه لا لانتفاخاته.
وهذا الخطأ بالذات، أي خطأ الرهان، يتكرر لكن على ضفةٍ أخرى متناقضة، وهو رهانٌ مزدوج، وبالتالي يكون الخطأ متراكماً ومركباً، حيث يخطئ الكيان المؤقت بالرهان على التطبيع، كحالةٍ من التعويض عن الوهن الذي يسري في نخاعه، أو كبديلٍ متوفر ومجاني، عن مكاسب القوة والقدرة، حيث يصبح التطبيع هو الانتصار المتوالد، وهو بديل الخيبات المتلاحقة بعد كل مناورة.
ومن ناحية أخرى من الوجه الآخر للرهان، وهو ما يجعله خطأ مزدوجاً ومركباً، هو رهان أنظمة التطبيع على بقاء الكيان، ورهانٌ على قدراته وإمكانياته، ورهانٌ على تسويقهم لدى السيد الأمريكي والقبول بهم.
وهذه الرهانات في المقلبين، لدى الكيان المؤقت، كما لدى أنظمة التطبيع، تتجاهل عن سبق الإصرار الوقائع والحقائق، فالكيان المؤقت يتجاهل عجزه باتخاذ التطبيع مصل بقاء، رغم أنّ الكثير من السياسيين والإعلاميين في الكيان، يعتبرون التطبيع مع تلك الأنظمة، لا شفاء فيها ولا فائدة منها تُرجى، على موازين القوى وإدارة الصراع ومآلاته، حيث إنّ الخطر الوجودي يكمن في مكانٍ أو أمكنةٍ أخرى، يعرفونها جيداً ويحسبون لها كل الحساب، ولكن بالنسبة للمسؤولين الصهاينة، فهمروجة التطبيع هي أقصى ما باليد، وتفيدهم في الدعاية الانتخابية على الأقل.
أمّا بالنسبة لأنظمة التطبيع، فهي تتجاهل قدرة محور القدس وتفوقه، كما تتجاهل وهن الكيان وارتداعه، وتتجاهل حتى حاجته لآلاف الجنود ومثلهم من الشرطة وأجهزة الأمن، لرفع علمه فيما يدّعي أنّها عاصمته الأبدية والموحدة، حيث تستطيع أيّ دولةٍ طبيعية، رفع مليون علمٍ في عاصمتها، دون الحاجة لشرطيٍ واحد.
وكما كان رهان غزة على تراجع العدو خشيةً، في اللحظات الأخيرة، في غير محله، فهذا الرهان المزدوج لكلٍ من الكيان وأنظمة التطبيع هو في غير محله، بل هو رهان لا طائل منه، وهو لا يستطيع تغيير موازين القوى، كما لا يمكنه ترقيع الفجوات في قدرات العدو الردعية، والأهم أنّه لا يمكنه إطالة أمدّ بقاء الكيان يوماً واحداً، أو تأجيل حرب الزوال ساعةً واحدة إن جاء أوانها.
وأيضاً فإنّ رهان أنظمة التطبيع على الكيان، لضمان بقاء العروش، أو لضمانات الحماية المباشرة أو غير المباشرة عبر الولايات المتحدة، هو رهانٌ خاطئ حد الخطيئة، وبعيداً عن مثالبه القيمية والأخلاقية والإنسانية، فهو متأخرٌ جداً، ومهما كانت فوائده المرجوة، فهي مؤقتة كطبيعة الكيان، ولم يتبقَّ من هذا الرهان سوى العار، كما قال الشاعر الراحل أمل دنقل: ثم تبقى يدّ العار مرسومةً بأصابعها الخمس فوق الجباه الذليلة.