عرفت خلال حياتي عديد الأمراض .. بعضها، أو كثير منها، عاشرتها وتذوقت مرَ آلامها ثم طبت منها ولا ريب .. ومنها ما لم أطب منها حتى اليوم .. ولا أنا نسيت آلامها .. إنها آلام الأرض ..
نظرياً كنت قد تعرفت عليها مبكراً .. لكنها لم تهاجمني بذاك الهجوم الشرس القاتل قبل حزيران 1967 .. يومها كنت شاباً في مقتبل العمر .. وفي أحلامي حكاية أرض مغتصبة وشرف مدنس .. ولا بد من الثأر والنصر ..
على هذا الأساس كنت أنفخ أوداجي .. وأحلم وأنا أحتف بشعري الجميل فوق جبهتي يميناً ويساراً بمعركة قادمة يقودها الأبطال من عبد الناصر واتبع حتى آخر العرب.. لفك أسر الأرض السليبة في فلسطين .. وكم أبدعنا في قذف المتخاذلين بأشنع الشتائم ووصلنا إلى عبد الناصر ذاته .. فلماذا يؤجلون المعركة الميمونة المنتظرة .. ؟؟!!
مرَ على ذاك الزمن 55 عاماً بالتمام والكمال .. يومها ذقت آلام الأرض المرة القاتلة الممزقة لكل محتوى .. كان عمري تسعة عشر عاماً .. لم يعد يزرني النوم .. إلا كسحابات من القهر والهم والمرارة ..
كانت الاتصالات أقل كفاءة ومقدرة منها اليوم .. لكن كان هناك ما يكفي منها ليجعلك لا تقترب من إمكانية التحايل فالنسيان .. وأظهر العدو مهارة في فن التعذيب الروحي لنا تفوقت على كفاءته في الهزيمة النكراء التي اوقعها فينا شعوباً وجيوشاً ودولاً..
من يومها و أنا أعاني آلام الأرض ..!! لا هي طابت ولا هي قتلتني ولا الحياة قدمت لي ما ينسيني .. حتى أدمنتها وأحسنت التعايش معها .. أو هكذا حسبت ..
اليوم هناك ما يتفوق عليها لكنه لا يطويها .. وعوضاً عن الأرض تصبح أمام آلام الأرض والناس .. فلسطين .. نعم .. وقضيتها .. نعم .. لكن اليوم هناك سورية وقضيتها .. هنا بصراحة للألم وقع مختلف .. فإذا كانت سورية شكلت أحد أهم أعمدة الأمل للخلاص من الألم الفلسطيني .. فأين موقع الأمل للخلاص من الآلام السورية ..؟؟!!!
نحن اليوم في مرحلة آلام الأرض والناس ..
أرض محتلة من غزاة وناس مقهورون ..
في ذاك الزمن تنازلت أنفسنا عن لذة الطعام والأكل … واليوم عظمت همومنا لنجد ما نأكله ..
بين عالمنا اليوم وحالنا وأحوالنا .. وبينها في ذاك الزمن .. بون شاسع يحملنا من الألم ما لا طاقة لنا به .. فترى الناس سكارى وما هم بسكارى … ولكن ..
ألسنا في حزيران ..؟
لم ينته بعد حزيران ..
سينتهي يوم تنتهي حالتنا القاتلة القائمة ..
As.abboud@gmail.com