الثورة – ترجمة رشا غانم:
لم تتوقف معاييرهم المزدوجة على مسألة استيراد النفط والغاز من روسيا، بل إنّهم ذهبوا إلى أبعد من ذلك.
ففي الوقت الذي طلبت به كل من الولايات المتحدة وأوروبا، من دول العالم بما فيهم الهند، منع حصولهم على المنتجات النفطية من روسيا، كانت معظم بلدانهم تشتريها من موسكو – وعلى أقل تقدير – لنهاية هذا العام.
كما أنّ الغرب وبقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، خرق عقوباته على روسيا – في أعقاب الحرب الأوكرانية – وذلك عن طريق استثناء مادة استراتيجية أخرى، ذات أهمية بالغة لصناعتهم العسكرية. فكان لا مانع من الحصول على التيتانيوم الرّوسي.
هذا لا يعني بأنّ الولايات المتحدة الأمريكية غير مدركة لتناقضاتها القائمة بين سياساتها وأعمالها، بل، وفي الحقيقة، الأمر يتعلّق بمحاولة إدارة بايدن تعزيز احتياطاتها المعدنية الاستراتيجية من خلال بعض التدابير التنفيذية والتشريعية والتي تحظى بدعم من الحزبين.
فقد أقر مجلس الشيوخ في 8 حزيران – قانون المنافسة والابتكار الأمريكي- من الحزبين، وهو مشروع يهدف إلى مواجهة الطموحات التكنولوجية لخصومه. كما أنّ هناك بعض الإجراءات الأخرى التي اتخذتها الإدارة خلال الأشهر الستة الماضية.
وعلى الرغم من أنها لحقيقة قبيحة، فإنّ الولايات المتحدة تعتمد بشكل كبير على الصين وروسيا في المكونات الحيوية لإنتاج وصيانة إمدادات الذخيرة.
قد تكون الولايات المتحدة أكبر قوة عسكرية في العالم، وقد تمتلك أكبر ميزانية عسكرية في العالم ولكنّ، تعتمد الولايات المتحدة على اثنين من خصومها اللدودين لإنتاج الذخيرة والمعدات العسكرية، اثنان من هذه المعادن الرئيسية جديرة بالملاحظة بشكل خاص.
الأول هو الأنتيمون، إنّه معدن أساسي مطلوب في إنتاج المعدات العسكرية، ولكن هناك نقصاً في إمداده في الولايات المتحدة – وتعتمد البلاد بالكامل تقريباً على الصين – وإلى حد أقلّ على روسيا.
والآخر هو التيتانيوم، الذي تعتمد فيه الولايات المتحدة، وكذلك أوروبا الغربية، بشكل أساسي على روسيا، حيث تتميز سبائك التيتانيوم بخصائص فريدة، فهي خفيفة الوزن، وعادةَ ما تكون كثافتها حوالي 60٪ من كثافة الفولاذ.
إنها تتحمل درجات الحرارة العالية ولديها مقاومة عالية للتآكل. تسببت هذه الخصائص في استخدام المعدن على نطاق واسع في صناعة الطيران، وأنابيب المعالجة الكيميائية، ومكونات محطات الطاقة، ومحطات تحلية المياه، والتجهيزات الطبية.
التيتانيوم هو الأكثر أهمية للهياكل الجوية والمحركات العسكرية والمدنية على حد سواء، نظراً لكونه قوياً وخفيف الوزن ومقاوماً للتآكل.
والخاصية المهمة أيضاً للمعادن هي أن معاملات التيتانيوم الحرارية للتمدد تشبه إلى حد بعيد – البوليمرات المقواة بألياف الكربون – و يقال إنّ هذا مهم لأن الطائرات تمر بتغيرات كبيرة في درجات الحرارة على مدار دورات الطيران العادية.
وهذا يفسر سبب عدم إدراج التيتانيوم حتى الآن في قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة. حيث حذرت أكبر شركة طيران في أوروبا – إيرباص – من أن إدراج التيتانيوم في أي عقوبات مستقبلية ضد روسيا سيضر بصناعة الطيران في أوروبا أكثر من روسيا.
ويُقال إن شركة إيرباص تعتمد حالياً على روسيا في حوالي نصف إمداداتها من التيتانيوم.
ومع ذلك، فإن شركة بوينغ الأمريكية المنافسة لشركة إيرباص – والتي كانت تحصل على حوالي ثلث متطلباتها من روسيا – تقول إنها توقفت عن استخدام التيتانيوم الروسي في أوائل آذار، لأنّ لديها “إمدادات كافية بعد تنويع ترتيبات التوريد الخاصة بها”.
لكن تظل الحقيقة أن التيتانيوم من روسيا لايزال غير خاضع للعقوبات الأمريكية. وربما تكون بوينغ قد أوقفت استيراد التيتانيوم الروسي، ولكنّ، وكما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية ،بأنّه:” لايزال يتعين عليها التعامل مع علاقتها مع مورد التيتانيوم الرئيسي بقيادة سيرغي تشيميزوف الذي عمل في السابق في وكالة الأمن الرئيسية للاتحاد السوفييتي مع الرئيس فلاديمير بوتين
. – KGB –
تشيميزوف هو رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة روستيك الروسية، والتي زودت الشركة التابعة لها شركة بوينغ بالتيتانيوم.
العقوبات المفروضة على تشيمزوف ستمنعه على نطاق واسع من توقيع العقود مع بوينغ، ولكن بخلاف ذلك لاينبغي أن تعيق قدرة صانع الطائرات على شراء التيتانيوم لشركته أو العمل مع مشروعهما المشترك.
المصدر: eurasiantimes