الثورة – تحليل ريم صالح:
تصريحات وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، والتي قال فيها إن أمريكا تعاني من انقسامات سياسية كبيرة، أكثر مما كانت عليه في حرب فيتنام وبما لا يقارن، لم تأت من فراغ، وإنما هي تجسيد للمشهد السياسي الحالي والمضطرب الذي تمر فيه الولايات المتحدة اليوم.
في الولايات المتحدة الأمريكية حزبان سياسيان (الجمهوري والديمقراطي) لطالما ادعيا حرصهما على المبادئ الإنسانية، والقانونية، والأخلاقية، والحريات البشرية للأمريكيين، ولكل شعوب العالم، ولكن المؤكد أن حصر المناصب والمهمات السياسية فقط بهذين الحزبين، هو أكبر دليل على ديكتاتورية أمريكا، واستبدادها، ويمكن أن نستخلص أنه منذ قيام أمريكا على جماجم ضحاياها إلى يومنا هذا، فإن هذين الحزبين كانا يكملان بعضهما البعض على أرض الواقع، وإن كانت الأدوات تختلف.
فالحزب الجمهوري لطالما كان يبدو الأكثر دموية، مع أن الحزب الديمقراطي كان هو الآخر بذات الإجرام، ولم يرحم الشعوب التي احتلتها أمريكا، ولكنه اعتمد القوة الناعمة لتمرير أجنداته الاستعمارية، التوسعية، الفوضوية.
أمريكا إلى أين؟!.. هو سؤال قد يتبادر إلى أذهان البعض، فصحيح أن الحزبين الأمريكيين يكملان بعضهما خارجياً، ولاسيما فيما يتعلق بقضايا الشعوب السيادية، لتحقيق كل ما من شأنه نهب ثروات الدول المقاومة، وإجبارها على اللحاق بالركب الأمريكي، إلا أن الواضح أيضاً أن هناك انشقاقات هائلة تعيشها الساحة السياسية الأمريكية، الأمر الذي يدلل على أن شمس أمريكا قد قاربت من الأفول حقاً.
ليست تصريحات كيسنجر وحدها ما يدعم كلامنا هذا بل هناك الكثير من السياسيين الذين تناولوا موضوع انهيار المشروع الأمريكي، والانقسامات الداخلية، وحسب تقدير الخبير السياسي الأمريكي دانييل زيبلات، مؤلف كتاب “كيف تموت الديمقراطيات” تعاني ثقافة الحوار في الولايات المتحدة “من انهيار طويل للاعتراف المتبادل، وفقط تعديلات قانونية من شأنها المساعدة في مجابهة هذا التطور باعتبار أن المعايير هي نوع من الدرابزين المرنة، وإذا لم تكن تلك الدرابزينات المرنة كافية، فنحتاج إلى أخرى أكثر صلابة، أي قوانين وربما تعديلات دستورية لتحديد المجال السياسي”.
أما الفيلسوفة الأمريكية سوزان نايمان فقد أكدت هي الأخرى أن الفجوة بين الديمقراطيين والجمهوريين توسعت، وشددت على أن الديمقراطية في خطر، مضيفة أن هناك شيئاً ما يتحرك، والسؤال هو ببساطة ماذا بوسعنا أن نفعل ضد هذا النظام الانتخابي غير الديمقراطي، وتبقى هنا الأمور مفتوحة.
وبرأينا الخاص تبقى أحداث الكابيتول بحد ذاتها أكبر دليل على مدى الشرخ الهائل الذي يعصف بالداخل الأمريكي، ويكفينا ما نقلته الفضائيات آنذاك من أحداث سلب ونهب وفوضى وتدمير وعنف قام به الأمريكيون أنفسهم ضد بعضهم البعض.
كذلك فإن انهيار المشروع الأمريكي في سورية، وفي العراق، وأفغانستان، وخروج واشنطن خاسرة من كل الحروب والأزمات التي تفتعلها هو الآخر بمثابة إعلان واضح، وصريح، على أن عهد القطبية الأحادية الأمريكية قد ولى.
وهنا علينا التنويه أيضاً بأن كلاً من موسكو وبكين بما يقومان به من أدوار ومساعٍ سياسية سلمية من شأنها حقن دماء الأبرياء التي تحاول واشنطن إراقتها عامدة متعمدة، قد قلبتا وإلى جانبهما الحلفاء والأصدقاء، الطاولة بما عليها من أوراق ابتزاز إرهابية بوجه الأمريكي، سواء أكان بزي جمهوري، أم ديمقراطي. أمريكا تلفظ أنفاسها الأخيرة إذن.. ومسألة بقائها قيد الوجود العدواني قد استنفد كل طاقاته، وزوالها من الخارطة السياسية، والاقتصادية العالمية، أو اضمحلالها، وتراجع صخبها، مسألة وقت ليس إلا، والأيام كفيلة بإثبات ذلك.