تزامن خطاب السيد حسن نصرالله مع وصول جو بايدن إلى المنطقة، في خطوة مدروسة أفرغت كل الزيارة من مضمونها الذي شغل الإعلام العالمي، فالرئيس الأميركي يقوم بهذه المهمة لتنفيذ أجندة معلنة، ليس لفلسطين مكانة أو موقع فيها، وما زيارته لأراضي السلطة الوطنية الفلسطينية ولقاؤه الرئيس محمود عباس وتصريحاته الخجولة بما يتعلق بحل الدولتين غير المتوازن إلا محاولة للإيحاء بأن إدارته تقوم بواجبها كدولة عظمى، بينما الحقيقة تكمن في السعي لتحقيق أهداف غيرها، تتعلق بضمان تدفق النفط والغاز للسنوات القادمة، ووضع إطار تنفيذي لمحاربة إيران وإفشال مشروعها النووي، وذلك ضمن الإطار الأساس في تقديم المساعدة والعون للكيان الصهيونى وضمان تفوقه وإدماجه في منظومة الحرب ضد إيران، وتمكينه من السيطرة على نفط البحر الأبيض المتوسط، وهنا نقطة المواجهة المباشرة بالنيابة عن محور المقاومة كله، فكيان الاحتلال الصهيوني يعمل على سرقة النفط اللبناني بأساليب مختلفة وموافقة ضمنية أميركية وإقليمية، لكن حزب الله أرسل مسيراته الثلاث كرسالة واضحة بامتلاك أدوات الردع الكافية لتدمير منصات التنقيب والاستخراج على السواء ومنع العدو الصهيوني من الاستئثار بتلك الثروات الطبيعية الكبيرة، وهكذا جاءت كلمة السيد حسن نصرالله الأخيرة لتقول لبايدن إن كل دعمه المتواصل للعدو الصهيوني لن يفيد في تنفيذ المخطط العدواني بحق لبنان وحزب الله يمتلك من الأسلحة والقوة ما يمنع العدو الصهيوني من المضي قدماً في مشروع سرقة النفط اللبناني.
ولا يقف الأمر عند الرسالة الموجهة لواشنطن ورئيسها جو بايدن في توقيت الزيارة ذات الأوهام المحمولة على أوهام السيطرة الماضية، فتكرس أوهاماً ستسقط أمام أول مواجهة مسلحة، وأمام أول طلقة أو صاروخ يعلن بدء المواجهة، أو بدء معركة جديدة، فالأمر يتجاوز الإدارة الأميركية التي سقطت عملياً في تنفيذ مهمتها ليصل لكل من يتوهم القوة الأميركية كعامل حسم لأي موضوع، فثمة شخصيات في الداخل اللبناني، وشخصيات إقليمية، ومنظمات وحكومات ما زالت تؤمن بأن القرار الأميركي قدر لا مفر منه، ولا يستطيع أحد رده، وذلك يخالف نواميس الحياة، ويعكس مجريات التاريخ، وينفي بطولات الاستقلال وطرد المحتلين والمستعمرين وهم في عز قوتهم من جانب المقاومين الوطنيين، في جميع المناطق التي عرفت الاستعمار والاحتلال الأجنبي.
يدرك حزب الله وخلفه محور المقاومة أن العدو الصهيوني يعد العدة لمواجهة كبيرة يسعى فيها للقضاء على ماكينة المقاومة المسلحة، ويدرك أن جهات دولية وإقليمية غنية وقوية تدعم ذلك المشروع العدواني للكيان الصهيوني، وتدرك أن العملاء يزرعون الأرض بحثاً عن مواطن الضعف في بنية المقاومة لتضخيمها واستغلالها والنفاذ من خلالها، ولكنه يدرك بالوقت ذاته أن أي مغامرة غبية يمكن أن تكون الخطوة الأخيرة، وليست الأولى، لموت المشروع الصهيوني، وهو ما سيحصل، وربما قريباً، وإلا لكان كيان العدوان قام بعملية عسكرية كبيرة، كتلك التجربة الغبية والمريرة التي قام بها في عدوانه في تموز ٢٠٠٦ ، وهو منذ ذلك الحين لا يجرؤ على تنفيذ عملية كبيرة لأنه يعلم نتائجها الكارثية، رغم كل الأسلحة التي يمتلكها، ورغم كل الدعم الأميركي والغربي والإقليمي.
وبايدن الذي قدم مساعدات مضاعفة لكيان العدوان الصهيوني، خسر الرهان، وفشل في ضخ قوة الدعم في تجهيز اعتداء يمكن معه القضاء على المقاومة، ولم يستطع الرد على الموعد المحدد لإنهاء أزمة استخراج النفط في البحر الأبيض المتوسط قبل نهاية أيلول، وعندها سيكون هناك وقائع على الأرض، تسقط كل المخططات الأميركية والصهيونية، وتثبت قوة مبدأ الردع الناعم كملمس الرخام، لكنه يختزن قساوته وقوته.