انتحار المبدعين.. شجاعة أم يأس وخيبة ؟

الملحق الثقافي- سهيلة إسماعيل :

لماذا ينتحر الأدباء والشعراء ؟ وهل انتحارهم يحمل جرأة لا يتحلى بها غيرهم ؟ أو هل هو يأس مطلق أفضى بهم إلى وضع حد لحياتهم ؟ أو أنهم يقبلون إلى الموت لأنه الحقيقة الوحيدة في الحياة وهرباً من كذبتها اللذيذة؟
أسئلة كثيرة تبادر إلى الذهن حين نعلم أن عدد المنتحرين من الأدباء والشعراء بالعشرات على مستوى العالم، ولكلٍ منهم فلسفته الخاصة باختيار طريقة الانتحار وبالأسباب الموجبة له حسب الرسائل المتروكة من قبلهم قبيل انتحارهم، وكأنه طقس كطقس الكتابة والإبداع لديهم. أو بمعنى آخر كأنهم فقدوا أسباب الحياة فكان الانتحار خياراً لا بد منه. وربما اكتشفوا أن عذاب وألم الحياة متفوق على جمالها ومتعتها، وقد يكون السبب الجوهري والعميق للانتحار رهافة الإحساس الموجودة لديهم ورومانسيتهم الفائقة، يقابلها جرأة وشجاعة ليست موجودة عند الآخرين تولدت من لحظات ضعف مروا بها، أو لعجزهم عن الإجابة – من خلال إبداعاتهم – على الأسئلة الوجودية. فهم يرون ما لا يراه الآخرون، ويكابدون الألم واليأس بطريقة مختلفة عن الناس العاديين. بدليل أن أغلب الأدباء والشعراء ممن أنهوا حياتهم بالانتحار كانوا مصابين بالاكتئاب الشديد سواء أكان سببه شخصياً أم عاماً يتعلق بالمجتمع وما يسببه من خيبات للمبدعين..!! وقد تكون الحروب وويلاتها سبباً للانتحار كما حصل مع الشاعر خليل حاوي بعد اجتياح الكيان الإسرائيلي للبنان عام 1982 وانتحار فرجينيا وولف بعد الحرب العالمية الثانية وتدمير منزلها في لندن ما جعلها عاجزة عن الكتابة.
حيث أشارت دراسة أجرتها باحثة أميركية عن طريق تحليل قصائد لشعراء منتحرين على جهاز الحاسوب إلى وجود دلائل على أن هؤلاء الشعراء سينهون حياتهم بهذه الطريقة مقارنة مع قصائد لشعراء ما زالوا على قيد الحياة، فالمنتحرون من الشعراء يستخدمون كلمة «أنا» في كتاباتهم، وتنمُّ كتاباتهم عن تشاؤم تغلغل في نفوسهم ورفض كبير للواقع وقوانينه الظالمة في معظم الأحيان.


رسائل المنتحرين
كتبت الأديبة الإنكليزية فرجينيا وولف رسالة قبل انتحارها ووجهتها لزوجها: «عزيزي، أنا على يقين بأنني سأجن، ولا أظن بأننا قادرون على الخوض في تلك الأوقات الرهيبة مرة أخرى، كما لا أظن بأنني سأتعافى هذه المرة، لقد بدأت أسمع أصواتًا وفقدت قدرتي على التركيز، لذا سأفعل ما أراه مناسباً، لقد أشعرتني بسعادة عظيمة ولا أظن أن أي أحد قد شعر بسعادة غامرة كما شعرنا نحن الاثنين سوياً إلى أن حل بي هذا المرض الفظيع، لست قادرة على المقاومة بعد الآن وأعلم أنني أفسد حياتك ومن دوني ستحظى بحياة أفضل، أنا متأكدة من ذلك، أترى؟ لا أستطيع حتى أن أكتب هذه الرسالة بشكل جيد، لا أستطيع أن أقرأ، جُل ما أريد قوله هو أنني أدين لك بسعادتي، لقد كنت جيداً لي وصبوراً عليّ، والجميع يعلم ذلك، لو كان بإمكان أحد ما أن ينقذني فسيكون ذلك أنت، فقدت كل شيء عدا يقيني بأنك شخص جيد، لا أستطيع المضي في تخريب حياتك ولا أظن أن أحدًا شعر بالسعادة كما شعرنا بها»
بينما ترك الشاعر المصري منير رمزي قصيدة نثرية بعنوان آلام وأحلام: « أنا ما أنا؟ لا شيء
مخلوقٌ تتجاذبهُ الأحزانُ وترتطمُ على صخرِ قلبهِ آلامٌ وأحلامٌ
إنني أفنى أفنى فناءً عنيفًا هادئًا»»
كما ترك الأديب المصري أحمد العاصي صاحب ديوان المعاصي رسالة قصيرة كتب فيها: «جبان من يكره الموت، جبان من لا يرحب بذلك الملاك الطاهر، إنني أستعذب الموت، وهو لي كالعطر»
وكتب الأديب الكوبي رينالدو ريناس بعد هربه من بلده إلى الولايات المتحدة الأميركية ثم انتحاره رسالة اعتبر فيها أن حريته ستبدأ عند انتحاره : «لقد أنهيتُ حياتي لأنني لا استطيع المشاركة في سبيل كوبا، أرجو أن تصير حرة في يوم من الأيام، وعزائي أنني شاركت بدوري المتواضع في سبيل هذه الحرية، رسالتي ليست من أجل الهزيمة، بل من أجل الهدف والنضال، كوبا ستكون حرة، وكذلك أنا»
بينما وجه الشاعر الروسي فلاديمير ما يكوفسكي نصيحة بألا يلجأ أحد للانتحار «إلى الجميع، لا
هموا أحدًا في موتي، إلى أمي وإخوتي ورفاقي، ليس ما أفعله الآن هو الصحيح، ولا أنصح أحدًا به، لكن لم يعد لي مخرج، حظًا سعيدًا للجميع».
أما الكاتب التونسي نضال غريبي فترك رسالة مؤثرة جاء فيها:
أنا الآن لا شيء، تفصلني خطوة عن اللاشيء، أو فلنقل قفزة، غريب أمر الموت ما أبخس ثمنه، دينار ونصف الدينار ثمن الحبل، وبعض السجائر، غريب أمر الحقيقة ما أبخسها ثمنها لكننا لا نرى، نملئ أبصارنا وبصائرنا دومًا بالأوهام، حتى تصير الحقيقة تفاصيل لا نراها .. نحن لا نرى غير ما نريد رؤيته، لا نرى من الأخضر غير يابسه حتّى تختلط علينا الألوان، ومفاهيمها، شأننا شأن أحبّتي، الذين رغم تواضعي يظنّون أنّني عيسى، فإذا ما صدّقوا ما ادّعوا، اختلط عليهم الأمر، فراحوا لا يفرقون بين القلب والمعصم، وصارت أوتادهم تنهمل على صدري كسهام الوغى ..
غريب أمرهم، بل غريب أمركم جميعًا إذ تظنُّون بموتي أنّني أناني، لكنني في الحقيقة أبعد ما يمكن عن الأنانية، دققوا في التفاصيل، لو كنت كما تدّعون لكنت التهمت ما استطعت من أدوية أمي المريضة ورحلت، لكنني أعلم علم اليقين أنّ عائلتي المسكينة ستنصرف إلى مراسم دفني وقبول التعازي، وسينسون بالتأكيد أن يشتروا لها دواء بدل الذي دفن في معدتي»

العدد 1105 – 2 – 8-2022

آخر الأخبار
الهوية البصرية الجديدة لسوريا .. رمز للانطلاق نحو مستقبل جديد؟ تفعيل مستشفى الأورام في حلب بالتعاون مع تركيا المؤتمر الطبي الدولي لـ"سامز" ينطلق في دمشق غصم تطلق حملة نظافة عامة مبادرة أهلية لحفر بئر لمياه الشرب في معرية بدرعا السيطرة  على حريق ضخم في شارع ابن الرشد بحماة الجفاف يخرج نصف حقول القمح الإكثارية بدرعا من الإنتاج  سوريا نحو الانفتاح والمجد  احتفال الهوية البصرية .. تنظيم رائع وعروض باهرة "مهرجان النصر" ينطلق في الكسوة بمشاركة واسعة.. المولوي: تخفيضات تصل إلى 40 بالمئة "الاقتصاد": قرار استبدال السيارات مزور مجهولون في طرطوس يطلبون من المواطنين إخلاء منازلهم.. والمحافظ يوضح بمشاركة المجتمع الأهلي.. إخماد حريق في قرية الديرون بالشيخ بدر وسط احتفالات جماهيرية واسعة.. إطلاق الهوية البصرية الجديدة لسوريا الشيباني: نرسم ملامحنا بأنفسنا لا بمرايا الآخرين درعا تحتفل .. سماءٌ تشهد.. وأرضٌ تحتفل هذا هو وجه سوريا الجديد هويتنا البصرية عنوان السيادة والكرامة والاستقلال لمستقبل سورية الجديدة الهوية البصرية الجديدة لسورية من ساحة سعد الله الجابري بحلب وزير الإعلام: الهوية البصرية الجديدة تشبه كل السوريين خلال احتفالية إشهار الهوية البصرية الجديدة..  الرئيس الشرع : تعبر عن سوريا الواحدة الموحدة التي لا ت... رئيس اتحاد العمال: استعادة الدور النقابي المحوري محلياً وعربياً ودولياً