ثورة أون لاين -رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:
لا تخرج هستيريا الكيماوي التي تنتاب المواقف الغربية وتصريحات سياسييها – وفق التوصيف الروسي – عن سياق المغالاة المستشرية كجزء من سياق النفاق السياسي الغربي، وهي تحاكي في الحد الأدنى انهياراً مريعاً لمنظومة الأخلاق والسياسة والدبلوماسية وكل الأعراف المعمول بها،
بعد أن قدمت حالة من الغثيان السياسي في مقارباتها لقضايا المنطقة والعالم.
وإذا كانت في التوقيت تترجم مشاهد العجز في الأداء وغياب الأفق أمام جملة السيناريوهات البديلة، فإنها في الوقت ذاته تعكس وجهاً خطراً لا يكتفي بما يقدمه من فبركات وأكاذيب، بل يتنطح لرسم صور افتراضية لا تقتصر على محاولة فرض رؤية مغايرة للواقع بقدر ما ترمي إلى تسويق معطيات كاذبة ومضللة، تمتد إلى المنابر الأممية وتقاريرها المعلبة مسبقاً.
داخل ذلك القاع يستغرق الأمين العام للأمم المتحدة ومن معه من نواطير الدجل في غيبوبته، فيغرف مما هو متوافر بين يديه، ويستعير بين الفينة والأخرى مما يصله بالبريد العاجل الأميركي، بينما الغرب يستعيد النفخ فيما تبقى من رماد الأوراق المحترقة بعد أن ذرته رياح الحقيقة، وبعثرته معطيات الواقع وتطورات الأحداث سياسياً وميدانياً.
فبين تباكي كي مون على المساعدات الإنسانية والعودة إلى رمي التهم المتفق عليها قسراً، وتبرئة المسلحين كالتزام طوعي وشخصي منه، وبين استعادة قربة الكيماوي المثقوبة، يتقاذف الخطاب الغربي مفرداته ومصطلحات التحريض في قصف مسبق كمحاولة للتغطية على حالة اليأس والعجز عن فعل شيء.
فإذا كان الأمين العام للأمم المتحدة غير مسموح له أن يرى إلا ما يأتيه عبر أمر العمليات، فإن ما يسوقه الغرب من أكاذيب جديدة وفبركات حول الكيماوي يطرح تساؤلات واقعية عن مشهد الإدارة الغربية لملفات المواجهة المفتوحة، حيث إن الذريعة الجديدة لا تقتصر على الكذب الساذج والأحمق، بل تشمل أيضاً قصوراً سياسياً وفكرياً وتعكس ضحالة وهزالاً إعلامياً ودبلوماسياً غير مسبوق، خصوصاً في توقيت التحريك الإعلامي لتلك الأكاذيب، وتحديداً الكيماوي منها.
فالمنظمة الدولية المختصة بهذا الشأن تتحدث عن خطوات جريئة قامت بها الحكومة السورية، وأنها على أبواب إغلاق هذا الملف تقريباً، وتكاد تُخرج آخر دفعات الكيماوي، وهو ما شكل رداً موضوعياً على الأكاذيب الغربية ومن يسوّق لها، ولاسيما ما يتعلق منها بآليات الدفع بها إلى ساحة الإعلام.
وتأتي التقارير الدولية وتصريحات المسؤولين الدوليين عن هذا الملف قرينة إدانة إضافية تفنّد الادعاءات الغربية، ولا تستثني من ذلك ما ذهب إليه كي مون، وهي تدحض بالوقائع كل ما يتحدث عنه، بخصوص المساعدات الإنسانية التي فقدت بدورها أي صلاحية للاستخدام السياسي.
فالمفارقة ليست فيما يطرحه الغرب، بقدر ما هي في التزامن المريب بالعودة إلى الملفات المنسية والأوراق التالفة وإعادة تلميعها مجدداً، وإصرار نواطير الدجل على إعادة تحريكها جنباً إلى جنب مع خطاب غربي لم يكتف بالنفاق والكذب والأخذ بالفبركات والعمل الحثيث على عودتها إلى ميدان التداول السياسي، بل يمد يديه نحو تقديم مقاربات تزيد من الغرق الغربي في الوهم، والعودة إلى التعويل على سراب وصورة افتراضية ثبت بالدليل القاطع استحالة حضورها حتى للمحاججة اللفظية.
لا نعتقد أنه يصعب فهم الدوافع الكامنة خلف عودة الاستنفار الغربي، وهذا الحضور المترامي الأطراف للنفاق الغربي بكل أوجهه واتجاهاته، ولا في اندلاق الأمين العام للأمم المتحدة ليكون بيدقاً إضافياً على رقعة لا مكان له فيها ولا دور بعد أن كان شريكاً على طاولة الاقتصاص من الشرعية الدولية والقانون الدولي.
الفارق بين نفاق الأمس واليوم، هو أن المسافة الفاصلة تتقلص والوقت المتاح يستنزف دون طائل، فلا هستيريا الكيماوي يمكن أن تعدل في مسار الأحداث ولا نواطير الدجل بمقدورهم تغيير ما تشكل من معادلات، وأن كل ما تراكم من فائض النفاق والكذب والفبركة لم ينتج سوى فائضاً مماثلاً في الوهم، والتعويل على سراب تقوضه معطيات السياسة وتنسفه معادلات في الضفة المقابلة تشكلت وأخذت تموضعها النهائي في إحداثيات الخارطة العالمية.
a.ka667@yahoo.com