الملحق الثقافي – لينا ديوب:
يغيب الورق يوماً بعد آخر عن عالم الصحافة، ليحل محله الصحافة الإلكترونية، التي فرضت على السرد الصحفي شروطاً وخصائص جديدة، تقتضي استخدام الوسائط الرقمية لتكون ملائمة للنشر الإلكتروني، وأصبحت الصورة والصوت والخريطة والفيديو والفونوغراف وغيرها، شرطاً لاكتمال السرد الصحفي.
في الأدب لا ندري مع انتشار القراءة عبر الشاشة الزرقاء، سواء للشعر أم القصة والرواية، هل سيصبح السرد رقمياً وله شرط استخدام الوسائط الرقمية؟ نصبح أمام أدب كما الصحافة يوظف معطيات التكنولوجيا الحديثة في تقديم جنس أدبي جديد يجمع بين الأدبية والإلكترونية؟ أم سيصبح للمدونين الجمهور الأوسع بما يقدمونه من نصوص قصيرة سريعة تناسب عصر التصفح؟
انتشر مصطلح الأدب الرقمي بشكل واسع في ثمانينيات القرن الماضي، وإن كان يقصد به حينها أدب الصورة، وأدب الشاشة، إلا أننا هنا نسأل عن أدب يوظف معطيات التكنولوجيا الحديثة في تقديم جنس أدبي جديد يجمع بين الكتابة الأدبية والإلكترونية ولا يكتمل لمتلقيه إلا عبر الوسيط الإلكتروني، أي من خلال الشاشة الزرقاء وبحضور الوسائط بقوة في النص الرقمي، باعتبارها عناصر مؤسسة لا يتحقق النص الرقمي إلا بوجودها، هنا يصبح الأديب هو المبرمج والمصمم والمصور وفني الصوتيات والمخرج النهائي للعمل، أي إن الكاتب هو أديب ومخرج ومبرمج ومصور، ويمتلك حقولاً فنية أخرى غير اللغة وبناء النص، وتصبح اللغة السردية عنصراً من بين عناصر لغوية جديدة دخل إليها لغة البرمجة المعلوماتية، ويصبح النص مجرد عنصر من بين عناصر لغوية جديدة، وسائط لغوية وغير لغوية، رمزية، وإشارية، ووسائط تكنولوجيا حديثة لم تكن معهودة.
ربما يبدو مبكراً الحديث عن نصوص أدبية إلكترونية ليس في سورية فقط وإنما في الأدب العربي عموماً، رغم الحديث عن الأدب التفاعلي، والأدب الرقمي، فقد كتبت الأستاذة الجامعية الإماراتية فاطمة البريكي كتاباً بعنوان المدخل إلى الأدب التفاعلي يتناول هذا الموضوع الجديد أي موضوع الوسائل الحديثة في الكتابة واستفادة الأدب من المعطيات التكنولوجية وثورة المعلومات المعاصرة وانعكاسات ذلك على عمليات التلقي على غرار ما حصل من تفاعل وتمازج بين النظريات الأدبية والنقدية سابقاً والعلوم والنظريات الأخرى وفي مقدمتها علم الاجتماع وعلم النفس وعلم اللغة والنظرية الماركسية، كما ورد في مقالة صحفية تضيء على محتوى الكتاب (حيث حاولت الباحثة في مقدمتها أن تصحح النظرة الشائعة التي لا ترى أي علاقة بين الأدب والتطور التكنولوجي نظراً لاختلاف طبيعة كل منهما، فالأدب في ضوء التطور التكنولوجي الكبير وظهور شبكة الإنترنت استطاع أن يستفيد من هذا التطور وأن يتأثر به تأثراً بالغاً بسبب كون الأدب لصيقاً باليومي وغير منفصل عنه)، كما تحدثت الباحثة عن تغير تلقي الأدب بعد أن تصبح النصوص تجمع بين فنية الأدب وعلمية التكنولوجيا.
إذا كان النص الأدبي الورقي يكتسب أهميته عند القارئ وسلطته من قدرته على تحريك الخيال، فما الحال مع النص الرقمي؟ هل سيحرك النص الرقمي الخيال مع كثرة الوسائط؟ تقول الروائية والباحثة المغربية زهور كرام في كتابها الأدب الرقمي، أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية: «ننطلق من اقتناع إبداعي أكدته مختلف التجارب التنظيرية للعملية الإبداعية، وهي إما أن يكون النص التخييلي إبداعاً وإما أن يكون شيئاً آخر غير الإبداع، وعندما يكون هناك افتعال للحظة الإبداعية فإن النقد لا يجيز مثل هذه التجارب لكونها لا تملك الشرعية في تطوير الأدب والإبداع، وفي إنتاج المعرفة من الإبداع. ما يحدث مع النص الرقمي في علاقته بالتكنولوجيا شبيه مع فارق تقني ما حدث/ يحدث مع التجريب في الرواية. إن من فهم التجريب على أساس أنه مجرد لعبة التكسير للحكاية، واللعب بالزمن والفضاء والشخصية فقد أنتج نصوصاً أشعرت النقد بأنها مفتعلة للحظتها الإبداعية، ومن ثم لمنطق التخييل. وبالتالي، فهي نصوص تمرر مفاهيم خاطئة حول التجريب الذي يعني رؤية وتصوراً للذات والعالم من خلال طريقة معينة في الحكي والسرد وبناء النص».
حتى اللحظة لا يمكننا التوسع بالحديث عن الأدب الرقمي في بلادنا، لأنه لم ينتشر لدينا نص رقمي متضمن للوسائط الرقمية، حتى القاصون والروائيون والشعراء الشباب لم ينتجوا نصوصاً رقمية مستفيدين من مختلف الوسائط من صوت وصورة وغيرها، نقول الشباب لأنهم الأكثر قرباً من التكنولوجيا الحديثة والأكثر تقرباً لها واستخداماً لها، وبالتالي هم من يكون السباق لإنتاج النص الرقمي.
لا يمكننا تجاهل الكثير من الأسئلة حول الأدب بالعصر الرقمي، أسئلة مرتبطة بالعلاقة بين المتخيّل والواقعي والافتراضي، ومرتبطة أيضاً بالحدود بين الأدب والواقع، وبين الأديب وتعدد الأساليب، والعلاقة التي تربط بين صاحب النص والمتلقي الذي بات طرفاً وفاعلاً داخل عملية الإبداع.
وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل عن شخصية المؤلف في ظل كل هذا التغير، وعن معنى القراءة في العصر الرقمي؟ هل بقيت المكتبة الكلاسيكية وجهة القارئ أم اتجه إلى المكتبات الرقمية على شبكة الإنترنت، لما تتيحه من إمكانية الدخول السريع والوصول بكبسة زر إلى كتب كان من الصعب العثور عليها.
مع الإنترنت انتشر لدينا نوع جديد من الكتاب، يسمون أنفسهم المدونين، ربما يناسبون القارئ الجديد الذي لا يملك المزيد من الوقت، الذي ربما أصبح أكثر طلباً للسرعة في التلقي والقراءة والوصول إلى المعلومة، لكن لاتزال الكتب الورقية تطبع، ولم تزل حفلات توقيع الروايات تقام، وما زلنا نجد في البيوت مكتبات، ونلتقي بمجموعات شبابية تشتري الروايات وتناقشها مع كاتبها.
العدد 1109 – 30- 8-2022