جذور … المفكر السوري «لوقيان السميساطي».. مبتكر الخيال العلمي

الملحق الثقافي:

ففي البحث عن الجذور يبدو أننا لسنا مطلعين بما فيه الكفاية على تراثنا وارثنا السوري الحقيقي وما قدمناه للحضارة العلمية والثقافية، ونحن اليوم نفتح ملف أدب الخيال العلمي نقدم قراءة في جذوره الاولى وقد كتبت عشرات الدراسات حول ذلك، منها الدراسة المهمة التي كتبها همام سراج ونشرتها الكثير من المواقع الالكترونية لما فيها من المعلومات والتأصيل لجذور أدب الخيال العلمي، يكتب همام سراج قائلاً :
«الجرأة هي أفضل قناع للإحباط».. تعبر هذه المقولة عن جانب من شخصية صاحبها، أحد المفكرين الأوائل ممن لم تعرف كتاباتهم وأفكارهم المحاباة أو المواربة.. فيلسوف سوري انتقد الفلاسفة أنفسهم وتجرّأ في طرح المحظور، فسطع نجمه في أوروبا وأفل في بلاده، وتجاهلته الأجيال اللاحقة.
لوقيان السميساطي (120/125م- 185م) أو «لوقيانوس السوري» كما أحبّ أن يلقب نفسه في أحد أشهر كتبه «الآلهة السورية» الذي يعد واحداً من أهم المراجع عن تراث سورية وثقافة شعبها.. وربما عبّر عن ذلك كمتمرّد متشبّث بهويته السورية في وجه عنصرية الثقافة الهلنستية (الرومانية- اليونانية) التي سادت سورية في ذلك الوقت.
عاصر لوقيانوس الذي برز أثره واضحاً في القارة الأوروبية، ثلاثة من أباطرة الرومان، هارديان، أنطونيوس بيوس، وماركوس أوريليوس، وعرفت هذه الفترة بالذهبية في تاريخ الإمبراطورية الرومانية، على صعيد الحركة الأدبية والثقافية التي ينتمي إليها لوقيانوس، وينظر إلى تلك الفترة كإحدى ركائز الحضارة الغربية الحديثة.
سنقرأ اسم لوقيانوس عند البحث عن تاريخ الأدب الساخر كأحد أوائل مبتكري ذلك الأسلوب، وسنجده أول من كتب قصص
الخيال العلمي من خلال رواية اكتسبت شهرة عالمية وترجمت باسم «True Story»، صور فيها لوقيانوس رحلة إلى القمر، وأجواء الحرب بين كواكب الفضاء ومخلوقاته الغريبة.
ينسب إلى لوقيانوس 82 مؤلفاً، منها ما هو مثبت ومنها ما يشك في صحة نسبته إليه، وأبرز ما ترجم منها إلى العربية كتاب «مسامرات الأموات»، حيث يهبط لوقيانوس في حوارت متخيلة بين الآلهة والملوك والفلاسفة وشخصيات بارزة، إلى عالم الموت. تأخذ محاوراته بعداً كوميدياً تشبه ما قدمه بعد قرون أبي العلاء المعري في «رسالة الغفران»، وما قدمه دانتي في «الكوميديا الإلهية»، إضافة إلى كتاب «أعمال لوقيانوس السميساطي المفكر السوري الساخر» وفيه مختارات من أعماله، وكتاب «محاورات لوقيانوس السميساطي».
توصف محاوراته بأنها هجائية وقصيرة وفيها الكثير من الجد والسخرية، ودائماً ما تضمر نية أخلاقية وفلسفية، وجعل في بعضها من الآلهة أبطال الحوارات.
ينحدر لوقيانوس من مدينة سميساط التاريخية الواقعة حالياً جنوبي تركيا وشمال مدينة منبج السورية على الطرف الآخر من الحدود بين البلدين.. وفي ذلك الحين، كانت سميساط تتبع لأراضي «الدولة السورية» التي كانت خاضعة لحكم السلوقيين بعد وفاة الإسكندر المقدوني.
لوقيانوس.. من السفسطة إلى الفلسفة
ما امتلكه لوقيانوس قبل اكتسابه الشهرة الواسعة، من بلاغة خطابية وقدرة على التأثير في الجموع، جعلت منه مفوّهاً استثنائياً، في وقت انتعشت فيه مهنة الخطابة أو السفسطة، فكان كغيره من الخطباء محامياً ومرافعاً عن العملاء في محكمة أنطاكية، ثم سفسطائياً وكاتباً متنقلاً بين أيونيا (قرب إزمير التركية)، وأثينا اليونانية، وبلاد الغال (فرنسا)، وروما التي تحددها المراجع التاريخية عن لوقيان، بأنها محطته الأولى نحو الفلسفة
بعد أن تخلى عن السفسطة في الأربعين من عمره.. وكتب مؤلفاته باللغة اليونانية القديمة علماً أن لغة المخاطبة في سورية آنذاك كانت السريانية.
ومن باب نقد المشكلات الأخلاقية والتشهير بالعيوب الشائعة، بغلاف السخرية القريبة من الكوميديا، عُرِف لوقيانوس.. وما ميّزه هنا، صعوبة تصنيف أفكاره ضمن اتجاه فلسفي ما، وهو الذي طالت سهام نقده وسخريته الفلاسفة أنفسهم وخاصة الأفلاطونيين والرواقيين الذين اعتبرهم مشجعين على الخرافة..بينما ذهبت بعض الدراسات إلى جعله قريباً من المدرسة الأبيقورية باعتباره ميالاً لعدم الاعتراف بوجود آلهة، وتهكمه المستمر على الخرافات والأساطير.
عن هذه الجزئية، يحدثنا الباحث في الفلسفة المعاصرة والأستاذ في جامعة «السوربون» بباريس الدكتور خلدون النبواني، الذي يرى أن صعوبة تصنيف لوقيان «تتأتى من كونه تناول قضايا فلسفية بأسلوب أدبي خالص، لكنه لم يقدم أفكاراً جديدة في الفلسفة، إلا أنه برع في ميدان البلاغة نقيض الفلسفة التي أسسها أفلاطون، فهو إذن كاتب ساخر ولاذع في نقد مقاسات عصره، ولهذا يعتبر -نوعاً ما- المؤسس لهذا النوع من الأدب الفلسفي».
ويستدرك النبواني حديثه بالقول: «لا يجب المبالغة في مكانة لوقيان الفلسفية، فهي تظل متواضعة أمام إبداعه الأدبي البلاغي وجرأته وأسلوبه، وأنه لا يخرج عن تيار البلاغة المزدهرة في عصره، متميزاً بأسلوبه الأدبي».
أما الروائي والمؤرخ السوري خيري الذهبي، فيعتبر أن «أكثر المستفيدين من الحضارة الهلنستية في أراضي سورية القديمة (الكبرى)، هم الفلاسفة والفنانون، واستطاع لوقيان أن يتحول إلى فيلسوف وكاتب روائي نجم في ذلك العالم وتلك البقع من الأرض.. كانت كتبه تنتقل مثل الريح عبر تلك البلاد، وأفكاره تتردد وقصصه تتناقل حتى دون ذكر اسمه.. نوادر وخرافات وقصائد وأساطير نسجتها مخيلة الروائي لوقيان، وعبّأها بفلسفته التي سخرت بادئ ذي بدء من الأديان والآلهة، وعجزها عن مساعدة الإنسان وإنقاذه من بؤس معيشته وقسوة مصيره».
لوقيانوس.. وأدباء النهضة الأوروبية
، يتتبع «ديفيد مارش» كيف استحوذت مواضيع لوقيان وكتاباته على الخيال الأدبي مع بداية عصر النهضة في أوروبا، خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر، ويبرز فولتير كأحد أدباء عصر النهضة الكبار المتأثرين بفكر لوقيان، ويضاف إلى القائمة وفق العديد من الدراسات كل من مايكل أنجلو وشكسبير ودانتي وغيرهم.
النبواني خصّص فولتير كأحد أبرز المتأثرين بفكر لوقيان، أما عن انعدام أثر الأخير في حضارات بلاده اللاحقة، فذلك يتأتى من «أن كتابة لوقيان باللغة اللاتينية اليونانية، جعلت منه كاتباً يونانياً، ولم يكن هناك حاضنة فعلية له في سورية لهذا استمر أثره ضمن الإرث اليوناني الروماني دون السوري، السرياني ومن بعده العربي».
بينما يقدم الذهبي وجهة نظر إضافية في أسباب انقطاع سيرة لوقيان في الشرق الأوسط المنتمي إليه، إذ يرى أن «لوقيان كان حاداً صارماً في نقده وسخريته من الأديان والآلهة المتعددة والتماثيل والقرابين وحتى من السياسيين، فتولّدت ضده عداوات كبيرة من الكهنوت والساسة الذين استشعروا فيه خطراً على سكونية عوالمهم».
يضيف الذهبي أن كتاب النهضة في أوروبا عملوا على «إعادة اكتشاف الكتاب والفلاسفة والمسرحيين في حركة ثقافية امتدت من شمال القارة الأوروبية وحتى جنوبها، وكان مركزها فرنسا.. وهناك في باريس تأثر فولتير بالطبع بما اكتشفه وقرأه من كتب مذهلة لـ لوقيان، وتجلى هذا التأثير في أعمال فولتير الكثيرة التي تنتقد الكنيسة، وفي أعماله التي تستكشف اليونان وشخوصها الأسطورية مثل أوديب والكترا».
بينما يجد الكاتب والباحث «تيسير خلف» أن سر هذا التأثير المتباين يكمن في أن «الغرب يعتبر نفسه وريث الحضارة اليونانية، كما أن لوقيان يعد جزءاً أساسياً من الأدب اليوناني».
ولا يعتقد خلف أن يكون العرب قد تأثروا بفكر لوقيان بسبب أن أعماله لم تترجم قبل القرن التاسع عشر، ولكون الرجل كان «مندمجاً في الحضارة الهلنستية التي كانت مسيطرة في تلك الفترة».

العدد 1109 – 30- 8-2022

آخر الأخبار
السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة