منذ أيام ختم مؤتمر الاستثمار الأخضر أعماله والذي يقام لأول مرة في سورية، حيث ناقش المشاركون فيه.. وجلهم من المعنيين في مجال الزراعة أصحاب اتخاذ القرار من اتحادات وهيئات بحثية وفلاحية يعملون تحت مظلة وزارة الزراعة. مواضيع تتعلق بالنباتات العطرية والطبية وكيف نستورد خلاصة هذه النباتات من الخارج، رغم انتشارها وبكثرة في سهولنا وجبالنا، ولماذا تدفع الأموال الطائلة لإحضارها إلى معامل الأدوية في حين هي منسية ومهملة في موطنها.
وحيث أننا ننظر إلى المؤتمر على أنه فاتحة خير في لمّ الشمل لهذه النباتات في بوتقة العناية وخاصة أن الغالبية أوصوا في مداخلاتهم بأهمية وضع خارطة طريق وطنية لتنفيذ خطط في الاستثمار والتصنيع والتصدير ووجود شركات ضامنة لهذه الإستراتيجية.. إلا أن التحديات التي أثارت الجدل لديهم جعلت الكثير يقف عند هذا المزارع الذي سيحمله الحماس لإنتاج كميات كبيرة من هذه النباتات العطرية والطبية في ظل غياب واضح للتسويق وكيفية الاستفادة من المنتج، أي الغياب الكامل لعملية التصني وبالعامية التي يتحدث بها الفلاحون: أين السوق ولمن سنزرع؟.
إن التصدي لموضوع استراتيجي كهذا بالتأكيد يقودنا إلى موضوع استراتيجي يصب بذات البوتقة ولا تخرج تحدياته من دائرة المسؤولية للمشاركين في هذا المؤتمر، فليس خافيا ما يكابده اليوم العاملون في القطاع الزراعي من مشكلات تتعلق بارتفاع أسعار المحروقات من مازوت وبنزين ومعاناتهم في تأمينها، وارتفاع أسعار البذار ومستلزمات الزراعة والأسمدة وكذلك أجور النقل والآليات الزراعية والأدوية… إلخ التي تضاعف سعرها عشرات وربما مئات المرات خلال فترة قصيرة، وجعلت من العاملين في هذا القطاع يركضون لحصاد الوهم فقد وصلت أسعار التكلفة الزراعية أكثر من قيمة المنتج. فالفلاح يبيع مُنتجه بأقل من التكلفة بعد انتظار وجهد يستمر لأشهر طويلة. وهذا ما حدث بالنسبة لمحصول الثوم والبطاطا والكوسا والحمضيات في الشتاء الماضي والكثير من المزروعات التي جعلت من هؤلاء المُنتجين عبيدا للأرض الزراعية التي هي ملك لهم.
تسرب كبير بدأنا نشهده في هذا القطاع بعد أن وصلت الأمور لمرحلة لا تحمد عقباها، والكثير من الفلاحين بدؤوا بالانسحاب نحو أعمال أخرى. وإن كان لابد من تنمية تحمل بذور البقاء والاستمرار لابد من دعم فعلي لهذا القطاع، دعم مُنظم ومن مصادر ثابتة بعيدا عن السوق السوداء وتخبط الأسعار، وبعيدا عن أيدي الفاسدين المتاجرين بمستلزمات الأعمال الزراعية، وإيجاد أسواق ثابتة في الداخل وفي الخارج لتصريف المنتج الزراعي سواء كان هذا المنتج حقليا أم ثمارا. وإلا لن تبقى السلة الغذائية السورية المنتج الحامل لمعيشة الناس وأحد أساسيات التنمية المستدامة.