حملت السنوات الأخيرة قصصاً كثيرة تتعلق بمشكلة تأمين رغيف الخبز وتعددت معها الأسباب والمبررات التي جعلت المواطن السوري يعيش حالة من التفكير المستمر في كيفية تأمين ربطة الخبز لأسرته، ورغم المكاشفات التي تظهر بين الحين والحين من قبل المعنيين حول تأمين الدقيق وعدالة توزيعه ودور البطاقة الإلكترونية وتوزيع المعتمدين والضبوطات بحق بعض الأفران ووو إلخ إلا إن الواقع يزداد سوءاً بالنسبة للمواطن على مختلف الأصعدة وفي غالبية المناطق.
خلال الفترة الأخيرة شهد المواطن عدد من السيناريوهات المتعلقة بآلية الحصول على الخبز ومنها قرار التوطين الذي حرم أبناء الريف من الحصول على مخصصاتهم من معتمدي المدينة كما حرم أبناء المدينة من مخصصاتهم في حال كانت ظروفهم تستدعي تواجدهم في الأرياف أو المدن الأخرى، وبالتالي قرار التوطين لم يخفف من وطأة المشكلة، وإنما رفع من نسبة المعاناة لدى المواطنين وخاصة أبناء الأرياف العاملين والموظفين في المدن، وكذلك في حالات التنقل بين المدن والمناطق. أما السيناريوهات الأخرى فهي تتعلق بتخفيض وزن ربطة الخبز إلى ألف غرام بدلاً من ألف ومائة غرام، ليأتي بعدها قرار تخفيض مخصصات العائلة التي تتسلمها عن طريق البطاقة الذكية بحسب عدد أفراد الأسرة. إلا أن جميع تلك الحلول وفي أحسن حالاتها، شكلت عبئاً إضافياً على الأسرة السورية التي أصبح جل طعامها يعتمد على الخبز في ظل الغلاء المعيشي الكبير لغالبية المواد الغذائية.
لقد حملت الأشهر الأخيرة العديد من الوعود والقرارات المتعلقة بتحسين نوعية الخبز وجودته وآليات توزيعه وإيصاله إلى المواطن بأفضل الطرق. إلا أنه على أرض الواقع لم تلتق حسابات الثرايا مع حسابات القرايا وما حدث ويحدث هو العكس تماماً. فهناك غياب كامل لدور المعتمدين في غالبية المناطق وتلاعب كبير في شكل الرغيف ووزنه وجودته، وازدحام كبير على الأفران يرافقه يومياً عشرات المشاجرات بين المواطنين نتيجة للانتظار الطويل الذي يمتد لساعات وساعات، فالمشهد اليومي هو التدافع وتبادل الشتائم، أما المخرج الحقيقي لهذا المشهد هم أصحاب الأفران والعاملين فيها الذين يتعمدون خلق هذه الفوضى لتمرير ربطات الخبز للبائعين والمتاجرة بها. إضافة إلى أنهم يعملون على تخفيض عدد الأرغفة في الربطة الواحدة من 7 أرغفة إلى 6 أرغفة، الأمر الذي يسير بهذه المشكلة نحو مزيد من الفساد والتلاعب.
لسنا بوارد التشكيك بوعود وتصريحات المعنيين في تحسين رغيف الخبز وجودته أو البحث عن آلية مرضية لعمل المعتمدين، كما أننا على دراية بأن هناك حصاراً اقتصادياً وعقوبات جائرة وهناك غلاء عالمي للقمح … ولكن بالمقابل هناك آليات وإجراءات غير منطقية تجري حيال إيصال رغيف الخبز إلى المواطن.
ولعله من الأولويات التي يفترض العمل عليها من قبل حماية المستهلك هي متابعة هذه الثغرات وملاحقة المخالفات والأخطاء الجسيمة التي يرتكبها أصحاب الأفران بحق أفراد المجتمع من نساء وأطفال وشيوخ ينتظرون لوقت طويل أمام الأفران ليحصلوا على مخصصاتهم بسبب السلوكيات الملتوية التي يتبعها العاملون في هذه الأفران ..وأكبر دليل على هذه الثغرات هي وجود عشرات البائعين والمتاجرين للخبز المدعوم الذين يبيعونه بسعر 3000 ليرة سورية وهم يتجولون بالحواري القريبة من الأفران. وطبعاً ذلك ليس خافياً على أحد من المعنيين ولا يحتاج إلى خط ساخن أو ثقافة الشكوى التي يتحدثون عنها بين الحين والحين ليبرروا من خلالها تقصيرهم في مكافحة هذه الظاهرة. فالأمور واضحة للجميع. وما ينتظره المواطن هو حلاً جذرياً يحفظ له ماء وجهه في الحصول على مخصصاته من الخبز.