كنت من جيل محظوظ عاش نعمة الوفرة في إنتاج كل شيء حد الاكتفاء الذاتي في الأسرة…فلم يترك أبي رحمه الله شبراً من أرضنا مهما كانت نائية وبعيدة ودروبها وعرة _ إلا و عمل على استصلاحها وزرعها بما يناسبها ..إذ كنت تجد شجرة زيتون منفردة على تخوم واد سحيق..
وتجد من يزرع كل شبر من الأرض نحفره نحن الأطفال ب ( المنكوش ) حيث لا يصل المحراث اليدوي …صحيح أن المساحات أو الحيازات كانت صغيرة ومتعبة للغاية لكنها كانت مباركة بعطائها بما تجود به..
إذ يشعر الجميع أنهم مؤونتهم من القمح أو الزيتون وغيرهما من مستلزمات الحياة..
اليوم أشعر كما يشعر أبناء الريف جميعاً بغصة تكاد تذبح …أراض صارت بواراً لا يصل إليها أحد..الطرق التي حفرتها أقدام الناس ومعهم دوابهم اندثرت …والطرق الزراعية غائبة ..تعمل الحكومة على تغيير بلاط أرصفة دمشق مع كل فصل ..تعبد وتكشط هنا وهناك وتتغنى بالزيتون والبرتقال وكروم العنب وتجتمع وتخطط وتقرر وعلى أرض الواقع لا شيء سوى ( الكلمات )
أمس في طريق عودتي للبيت طفح الدمع من عيني وأنا أرى أول قطاف الزيتون.. زيتون عند البائع اشتريت أكثر من كيلو غرام بقليل …متى كنا نشتريه ..ونحن من لدينا مئات الأشجار التي لا نستطيع الوصول إليها..
بدأ موسم القطاف ولو خلسة حتى يحصل من يقطف كما يقول السعر الذي يريد..
نريد أرضنا وودياننا نريد طرقاً زراعية نريد أن نزرع ونكتفي ..لا نريد أن تعمل الحكومة عنا …ماذا لو أن الجهات المعنية قررت أن العام القادم هو عام الطرق الزراعية..
ماذا ستفعل المجالس المحلية القادمة..وماذا وألف ماذا ..افعلوا شيئاً مهما كان صغيراً لعلنا نشعر أن بصيص الأمل يكبر ويكبر ولئلا ( نعود إلى..ولا شيء سوى الكلمات ) ومن انتظر زاد غيره طال جوعه ..فكيف بمن ينتظر زيته وقمحه..؟