“لا تسقط الكلمة، ولا تسقط الصورة، الكلمة أمانة، والصورة رسالة، احمولها للعالم كما حملناها نحن”
عندما ذكر الصحفي الفلسطيني الشهيد صالح الجعفراوي تلك الكلمات في وصيته، كان يدرك أنه نجح في إيصال “رسالة الحق للعالم مغمض العينين..” لقد اختاره الله لما يحب، وربما في الوقت الذي يحب، بعد أن أدى رسالته على أكمل وجه، لكن ما لم يتوقعه صالح أن تمتد إليه ذراع الباطل من خلال من يفترض أنهم أبناء جلدته.
لم يتوقع بإنسانيته المُثلى أن ينال منه في مطعن ما عجز عنه ألد الأعداء في أحلك الظروف وأقسى المحن.
فقد شهد حي صبرة جنوب مدينة غزة التي كان صوتها، فصلاً جديداً من حكاية الغدر الذي مزق قلب الأمة عبر التاريخ وتباكى على أطلالها. رحل صالح لكنه سيبقى في وجدان العالم الحر أنموذجاً مشرفاً للشباب العربي، فقد علمنا كيف يكون (المؤثر) قدوة، بل المعنى الحقيقي للمؤثر الذي حقق من خلال كاميرا موبايله، ما عجزت عن نقله كبرى الوكالات الإعلامية، استطاع بإيمانه وصفات النبل التي تحتاجها الأمة في شبابها أن يستقطب ملايين المتابعين، منذ كان يافعاً حافظاً لكتاب الله، مُجسّداً لخلق النبي الأعظم، ثم طالعنا صحفياً مؤثراً بواقعية محتواه من عمق القهر، وقسوة الحصار، من وحشة الخذلان وظلمة الجور.
استطاع هو زملاؤه الذين جرت في عروقهم قداسة الكلمة والصورة من بين الركام وصيحات الثكالى، أن يوصلوا للعالم أجمع صوت الفلسطينين، تفاصيل آلامهم، وانكسارات حقهم في حياة آمنة، أن ينقل مرارة الفقد والجوع والحرمان، معشقة ببسمة طفل في لحظة أمل، مواساة شيخ والحنو على مُسّنة، علَّمنا كيف يتعالى الرجل على آلامه ليصنع الفرح بين أهله رغم كل الشدائد.
لقد لخص صالح وجميع من سبقه على هذا الدرب كيف يكون الوفاء للعهد مع الله، والإخلاص للأرض والوطن، فكانوا بحق أيقونة درب طويل نحو الحرية.
صحيح أنه لم يصل إلى فناء المسجد الأقصى، لكنه وصل إلى قلوب الملايين حول العالم، وستبقى روحه وجميع شهداء الحرية نبراساً لذاك الطريق المقدس.