الثورة – إيمان زرزور:
تشهد عدة مناطق سورية، حملات تشجير وطنية ومجتمعية، تهدف إلى إحياء الغطاء النباتي المتدهور بعد عقود من الحرب والحرائق التي أتت على مساحات شاسعة من الغابات والأحراج والمناطق الزراعية، وتُعد هذه الحملات، التي تتوسع في مختلف المحافظات، جزءاً من رؤية وطنية لإعادة التوازن البيئي وترميم ما دمرته سنوات طويلة من الإهمال والدمار.
تعرضت سوريا منذ عام 2011 إلى أكبر تراجع بيئي في تاريخها الحديث، حيث أحرقت المعارك مساحات واسعة من الغابات الطبيعية، وتسببت العمليات العسكرية والحرائق المتكررة في تدهور مئات آلاف الهكتارات من الأراضي المزروعة.
كما أدت موجات الجفاف وقطع الأشجار العشوائي إلى فقدان جزء كبير من الغطاء النباتي في الساحل والجزيرة والسهول الداخلية، مما انعكس سلباً على التنوع الحيوي، واستقرار التربة، وتوازن المناخ المحلي.
وتشير تقديرات خبراء البيئة إلى أن نحو 60% من الثروة الحراجية في سوريا تضررت خلال سنوات الحرب، الأمر الذي جعل من التشجير مهمة وطنية ذات أولوية قصوى.
تأتي حملات التشجير الحالية كمؤشر على مرحلة التعافي وإعادة الإعمار البيئي، فهي لا تقتصر على زراعة الأشجار فحسب، بل تمثل استعادة لرمزية الحياة والاستمرارية في مجتمع أنهكته الكوارث.
وتسعى المبادرات المحلية مثل حملة “عفرين تستاهل” وغيرها إلى إشراك المواطنين، والطلاب، والمنظمات المدنية في جهود إعادة اللون الأخضر إلى الجبال والسفوح والمناطق الزراعية المتضررة، تأكيداً على أن التنمية البيئية لا تنفصل عن التنمية الإنسانية.
هذه الحملات تزرع ثقافة جديدة في الوعي العام عنوانها “البيئة مسؤولية الجميع”، إذ تحوّلت من نشاط موسمي إلى حركة مجتمعية مستدامة تشارك فيها الوزارات والبلديات والنقابات والجمعيات التطوعية على حد سواء.
تمثل الأشجار المزروعة اليوم استثماراً للمستقبل، فهي تسهم في تثبيت التربة ومكافحة الانجراف، وتساعد في تخفيف درجات الحرارة وتقليل الانبعاثات الكربونية، كما تساهم في تحسين جودة الهواء وزيادة الرطوبة النسبية.
ويؤكد المهندسون الزراعيون أن استعادة الغطاء النباتي تمثل خط الدفاع الأول ضد آثار التغير المناخي، خصوصاً في المناطق التي فقدت غاباتها بفعل الحرائق المتكررة في الساحل أو القصف السابق في مناطق الريف الشمالي.
كما أن إعادة تشجير الأراضي المهملة تسهم في إحياء الاقتصاد الريفي عبر توفير فرص عمل جديدة في مجالات الزراعة والإرواء والعناية بالغراس، وهو ما ينعكس على الأمن الغذائي المحلي واستقرار المجتمعات الريفية.
تتعاون في هذه الحملات عدة جهات رسمية ومدنية، منها وزارة الزراعة، ومديريات الحراج، والبلديات المحلية، ووزارات التعليم والإدارة المحلية، إلى جانب منظمات المجتمع المدني والمبادرات الطلابية.
ويتم تنفيذ مراحل التشجير تحت إشراف فرق هندسية متخصصة تضمن التوافق بين نوع الأشجار المزروعة وطبيعة المناخ والتربة في كل منطقة، لضمان ديمومة المشروع واستمرار نمو الغراس.
ولايمكن اعتبار حملات التشجير في سوريا مجرد استجابة بيئية، بل فعل رمزي يعبر عن نهوض وطن من رماده، فكل غرسة تُزرع تحمل معنى الحياة والتجدد، وتعيد إلى الأرض التي أنهكتها الحرب لونها الأخضر المفقود.
وهي رسالة أمل من السوريين إلى أنفسهم أولاً، بأن البيئة يمكن أن تُشفى كما تشفى البلاد، وأن التعاون بين الدولة والمجتمع قادر على تحويل مساحات الدمار إلى مساحات حياة، لتعود الغابات السورية يوماً كما كانت، شاهدةً على صمود الأرض وخصوبتها.