الثورة – لينا شلهوب:
بعد سنوات من الغياب القسري، الذي أرخى بظلاله على شريحة لابأس بها في المجتمع، يعود المعلمون الذين كانوا في قلب الحراك الوطني إلى مدارسهم، حاملين معهم تجارب قاسية وآمالاً متجدّدة، إذ لم تكن عودتهم مجرد إجراء إداري، بل خطوة تحمل أبعاداً إنسانية وتربوية ووطنية عميقة، تؤكد أن التعليم لا يقاس فقط بعدد الدروس والكتب، بل بعمق الوفاء لمن صنعوا دروب ومسارات الأجيال.
الوفاء للميدان التربوي
مدير التنمية الإدارية في وزارة التربية والتعليم عبد الكريم قادري أكد في تصريح لصحيفة الثورة أن الكوادر التربوية التي فُصلت من عملها بسبب مواقفها الوطنية وتضحياتها في خدمة الثورة السورية، تعد اليوم في صميم أولويات الوزارة، مضيفاً أن الوفاء لأبناء الميدان التربوي هو وفاء لقيمة التعليم ذاتها، وأشار إلى أن هذا التوجه يأتي في سياق أوسع من الجهود الحكومية الرامية إلى استعادة الكفاءات التعليمية التي غابت عن مدارسها قسراً خلال السنوات الماضية، بما يضمن استقرار العملية التربوية وتعزيز الثقة بين الكادر والوزارة.
فيما كشفت وزارة التربية والتعليم أنها وبالتنسيق مع الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية ووزارة التنمية الإدارية، عملت خلال الأشهر الماضية على معالجة ملف المفصولين وتسوية أوضاعهم القانونية والوظيفية، حيث بلغ عدد المفصولين الواردة أسماؤهم في القائمتين الأولى والثانية الصادرتين عن وزارة التنمية الإدارية (25,907) عمال، من بينهم (20,300) قد استكملوا بياناتهم لدى المديريات التربوية تمهيداً لمنحهم قرارات المباشرة، وهو ما وصفه قادري بأنه العدد الأكبر مقارنة بباقي القطاعات الحكومية.كما تتابع الوزارة استقبال الأسماء التي لم ترد في القوائم السابقة، حيث بلغ عددهم حتى تاريخه (1,991) عاملاً، يجري العمل على تسوية أوضاعهم وفق الأصول القانونية والإدارية المعتمدة.
حين يعود الضوء إلى الفصول
وبحسب مصادر في مديرية التربية بدمشق، فإن توزيع المعلمين العائدين جرى وفق الاختصاص والمكان السابق للعمل، مع مراعاة احتياجات المدارس والكثافة الصفية، وقد شملت العودة المدرسين والمعلمين والموجهين التربويين والإداريين، إضافة إلى عدد من العاملين في الشؤون المالية والخدمات، في خطوة وصفت بأنها الأوسع منذ عام 2011. هذا وحرصت الوزارة على أن تكون المباشرات تدريجية ومنظّمة، تفادياً لأي خلل في البنية الإدارية أو التربوية، مع فتح قنوات تواصل مباشر لاستقبال الشكاوى والاستفسارات.
وتشير المؤشرات الأولية إلى أن عودة هذا العدد الكبير من الكوادر التربوية ساهمت بسد النقص في الكادر التدريسي، لاسيما في مواد الرياضيات والعلوم واللغة الإنكليزية، وهي الاختصاصات التي عانت خلال السنوات الأخيرة من عجز واضح، كما أن عودة الموجهين والمشرفين التربويين أعادت الحيوية إلى عمليات المتابعة والتقويم داخل المدارس، وساهمت في رفع سوية الأداء التربوي، وإعادة التوازن بين الخبرة القديمة، والدماء الجديدة التي دخلت القطاع في السنوات الماضية.
العودة لخدمة الجيل الناشئ
يقول أحد المعلمين العائدين إلى عمله في ريف دمشق، إن قرار الإعادة، أعاد إلينا الكرامة قبل الوظيفة، إذ لم نعد نشعر بأننا خارج المنظومة التي أفنينا فيها سنوات عمرنا، وكانت مواقفنا سبباً في الاستبعاد.
أما الموجهة التربوية سمر الخطيب فتضيف: استقبالنا في المدارس كان مؤثراً، وزملاؤنا والطلاب استقبلونا بالورود، وكأننا نعود إلى بيتنا الأول، بعد الفصل التعسفي الذي تم تنفيذه بحق عدد من المعلمين.
ويعبر المدرس فراس درويش، عن شعور مماثل، حيث أشار إلى أن الأهم بالنسبة لهم، هو العودة لخدمة الجيل الناشئ، وأن يشاركوا في إعادة بناء ما تهدّم، بالقلم والمعرفة.ويختتم مدير التنمية الإدارية أن الوزارة لم تغلق ملف عودة المعلمين المفصولين بعد، وأنها تواصل متابعة الأسماء المتبقية بالتعاون مع الجهات المعنية حتى يعود كل معلم إلى مكانه الطبيعي في خدمة طلابه ووطنه، مؤكداً أن هذه الخطوة لا تحمل بعداً إدارياً فحسب، بل هي فعل مصالحة وطنية صامتة، ترد الاعتبار إلى فئة واسعة من التربويين الذين عانوا ظروفاً قاسية، كما أنها تعيد ترميم الثقة بين الدولة والمجتمع التعليمي.