الفيجة تضيء بجهود أبنائها.. عندما يتحول العمل الأهلي إلى أداة تنمية

الثورة – هنادة سمير:

في مرحلة تتطلب تضافر الجهود وتجاوز التحديات الاقتصادية والخدمية، تتقدّم الشراكة بين الحكومة والمجتمع الأهلي كخيار تنموي واقعي وضروري فلم تعد التنمية شأناً إدارياً بحتاً، بل أصبحت مسؤولية جماعية تُترجمها مبادرات محلية تستمد قوتها من وعي الناس وانتمائهم، ومن انفتاح الجهات الرسمية على العمل المشترك.

من بين هذه المبادرات ما شهدته بلدة عين الفيجة في ريف دمشق مؤخراً، حيث نفذ الأهالي على نفقتهم الخاصة المرحلة الثانية من مشروع تركيب أجهزة الإنارة العامة تحت شعار “عين الفيجة للجميع، وإعادة بنائها مسؤولية الجميع”، وبتمويل شعبي وجهد أهلي تطوعي، أعاد أبناء البلدة الإضاءة إلى طرقها وشوارعها، في مشهد حمل الكثير من المعاني حول روح التكافل والوعي الجماعي بضرورة إعادة الحياة إلى البلدة بعد سنوات صعبة.

نموذج وطني مصغّر

يقول المهندس محمد الغضبان من أهالي عين الفيجة: هذه المبادرة لم تكن مجرد عمل خدمي بسيط، بل نموذجاً مصغّراً لما يمكن أن تكون عليه التنمية المحلية إذا اجتمع وعي المواطنين مع استعداد المؤسسات العامة لدعم المبادرات الأهلية، فالمشروع الأهلي نُفذ بتمويل مباشر من أبناء البلدة من دون أي حملات لجمع أموال، بل عبر شراء كل متبرع لجهاز الإنارة بنفسه وتسليمه إلى اللجنة المشرفة على التركيب بحسب ما أفاد الأهالي، هذه الآلية الشفافة عززت الثقة، وخلقت نوعاً من الانتماء للمشروع بوصفه عملاً جماعياً يخص الجميع ويخدم الجميع.

تبين الخبيرة التنموية سوسن السهلي في حديثها “للثورة”: إن مبادرة عين الفيجة تمثل تحولاً نوعياً في مفهوم التنمية المحلية، لأنها أعادت الناس إلى مركز الفعل التنموي، مضيفة : حين يبادر المواطن بنفسه، ويدفع من ماله وجهده لتحسين بيئته المحلية، فهو لا يشارك في مشروع فقط، بل يؤسس لثقافة جديدة عنوانها المسؤولية المشتركة.

من المبادرة إلى الشراكة

توضح السهلي أن تجربة عين الفيجة فتحت الباب أمام نمط جديد من التفاعل بين المؤسسات المحلية والمجتمع الأهلي، يقوم على التعاون لا التلقي، والمبادرة لا الانتظار، فقد تعاملت الجهات المعنية في البلدة مع المشروع بروح الشراكة، وقدّمت التسهيلات الفنية والتنظيمية، فيما تولى الأهالي التمويل والتنفيذ الميداني، وعكس هذا التكامل بين الدورين الحكومي والمجتمعي- بحسب السهلي- توازناً صحياً في إدارة الشأن المحلي، وهو في الوقت نفسه يمهد لبناء نموذج جديد من الحوكمة المحلية القائمة على المشاركة والشفافية.

وتشير إلى أن مثل هذه المبادرات تسهم في تعزيز الثقة بين المواطن والدولة، لأن النجاح لا يُقاس بما أُنجز مادياً فقط، بل بما زرع من روح تعاون وتضامن في نفوس الناس.

مبادرات تتوسع

في أكثر من منطقة في دمشق وريفها، تتكرر مشاهد العمل الأهلي التشاركي بصيغ متعددة، ففي بعض أحياء العاصمة، تعاون السكان مع الجمعيات المحلية لترميم الأرصفة وتجميل الحدائق العامة، بينما نفذ متطوعون في ريف دمشق حملات لصيانة شبكات المياه وتنظيف المدارس قبل افتتاح العام الدراسي، وتؤكد السهلي أن هذه التحركات، مهما كانت صغيرة في مظهرها، تحمل أثراً تنموياً عميقاً، لأنها تعيد تعريف العلاقة بين المواطن والخدمة العامة، وتجعل من المشاركة سلوكاً طبيعياً وليس استثناءً.

الوعي ركيزة التنمية

وتربط الخبيرة التنموية بين نجاح هذه النماذج ومستوى الوعي المجتمعي، مشيرة إلى أن المواطن اليوم أصبح أكثر إدراكاً لمحدودية الموارد الحكومية، وأكثر استعداداً لتحمل جزء من المسؤولية، وتوضح أن التحول من ثقافة المطالبة إلى ثقافة المشاركة هو ما يميّز المرحلة الحالية في بعض المجتمعات المحلية، وأن هذا الوعي يمثل ركيزة لأي تنمية مستدامة مستقبلاً.

وترى السهلي أن التجربة السورية في هذا المجال تحمل بعداً اجتماعياً مهماً، لأنها تجمع بين البعد التنموي والبعد القيمي، أي أنها لا تقتصر على تحسين الخدمات، إنما تزرع قيم التعاون والتكافل والثقة بالمؤسسات العامة، وهي قيم أساسية في مرحلة إعادة البناء.

الثقة المجتمعية

ونوهت الخبيرة السهلي بأن القيمة الحقيقية لهذه المبادرات لا تكمن فقط في إنارة شارع أو إصلاح بنية خدمية، بل في ما تبعثه من رسائل إيجابية عن روح الانتماء والمسؤولية، فكل مشروع محلي ينجح في ظل التعاون الأهلي الرسمي يزرع مزيداً من الثقة بين المواطن والدولة، ويؤكد أن التنمية ليست قرارات مركزية فقط، بل سلوك جماعي يبدأ من الأحياء والبلدات.

وختمت حديثها: حين يرى المواطن أن جهوده تُقدَّر وأن صوته مسموع، تتشكل الثقة، وحين يشعر أن الدولة لا تحتكر الفعل بل تفتح المجال أمام المبادرة، تنشأ علاقة جديدة قوامها الاحترام المتبادل والهدف المشترك.

آخر الأخبار
44.2 مليون متابع على مواقع التواصل .. حملة " السويداء منا وفينا" بين الإيجابي والسلبي ملامح العلاقة الجديدة بين سوريا وروسيا لقاء نوعي يجمع وزير الطوارئ وعدد من ذوي الإعاقة لتعزيز التواصل عنف المعلمين.. أثره النفسي على الطلاب وتجارب الأمهات عزيز موسى: زيارة الشرع لروسيا إعادة ضبط للعلاقات المعتصم كيلاني: زيارة الشرع إلى موسكو محطة مفصلية لإعادة تعريف العلاقة السورية- الروسية أيمن عبد العزيز: العلاقات مع روسيا لا تقل أهمية عن العلاقات مع أميركا وأوروبا الشرع وبوتين : علاقاتنا وثيقة وقوية وترتبط بمصالح شعبينا المكتب القنصلي في حلب.. طوابير وساعات من الانتظار بوتين والشرع يؤكدان في موسكو عمق الشراكة السورية الروسية للمقاييس عدالة.. لكن من يضبط الميزان؟ الفساد المصرفي.. أهم العقبات التي تعيق التعافي الاقتصادي لوحات دائمة بدل التجريبية للمركبات في طرطوس العلاقات السورية الروسية.. بين التعاون السيادي والمصالح البراغماتية الشرع في موسكو.. إعادة تشكيل الدور الروسي وموضوع المخلوع أهم قضايا البحث عودة المعلمين المفصولين.. وفاء للرسالة التربوية واستعادة للكرامة المهنية العملة الجديدة تحاكي احتياجات المكفوفين الفيجة تضيء بجهود أبنائها.. عندما يتحول العمل الأهلي إلى أداة تنمية الزحام المروري في دمشق يلتهم الأعصاب .. والجهات المعنية تكتفي بالمسكنات وزير المالية يناقش إصلاحات سوريا الاقتصادية في واشنطن