في كتابه “تحقيقات فلسفية” تحدث “لودفيغ فيتغنشتاين” عن الفرق ما بين أسئلة حقيقية وأخرى مزيفة.
وبالطبع لا يُقصد التعميم بمعنى التزييف، في تلك النوعية الثانية.. بل ربما كانت تتجه نحو شيء من تمويه الوصول إلى واقعٍ بشعٍ أو حقيقة فجّة، أو ربما كان يُراد بها الإيماء بنعومةٍ لحالةٍ لانريد الإفصاح عبرها عمّا نبطنه بمباشرة.. فنبثّ أسئلتنا الحائرة تجاه الآخر.. نومئ له ببعضٍ من شكّنا أو يقيننا.
في بعض الأحيان، استخدمتْ هذه الطريقة للوصول إلى غايتها بسلاسة.. ونسيتْ أن الآخر يحتاج نسبة معينة من السلاسة نفسها.. أو من القدرة على تصويب حيرة تلك الأسئلة وتحويلها الى أجوبة غير قابلة للشك أو التحوير.
ولطالما حاولتْ الوقوف على شرفة أسئلتها من زوايا مختلفة تجذب الآخر إليها.
يبدو أنها تصنع من غيمات الأسئلة وسيلةً لتأمل أوضاع معينة تحلّ مشكلات سوء الفهم التي تقع بها، تماماً كما أوصى “فيتغنشتاين” ذاته، بحلّ معضلاتنا عن طريق النظر إلى الموقف من زاويا جديدة.
في بعض الأحيان، يكون الخطأ في تقدير قدرة الآخر على تلقي واستيعاب ما نبطنه بطريقة صحيحة.. نحاول توجيه أسئلتنا بحذر، لكنّ استجابة الطرف المقابل قد تكشف فجوة بين ما نريد أن نقوله وما يفهمه.. وهنا يظهر جمال عملية التواصل عبر لغز الأسئلة بصهر المسافة بين الإشارة والفهم بين الحيرة والإجابة، فيتشكل الحوار الحقيقي.. ذلك الفضاء الذي تسمح فيه الكلمات بأن تتنفس، وأن تنقل جزءاً من نياتنا الداخلية دون أن تكشف كل شيء.
أسئلتنا الحائرة ليست مجرد وسيلة للمعرفة.. بل أداة لاكتشاف الذات والآخر معاً، طريق رفيع بين الشك واليقين، بين الصمت والكلام.
وبإعادة توجيه الأسئلة إلى مكانها الأمثل، يمكنها أن تنبض بالمعنى وتفتح مساحة للفهم والحوار.