الثورة – سمرحمامة:
يواصل سعر الصرف تذبذبه بشكل يومي ما يجعل العملة المحلية تفقد قيمتها أمام العملات الأجنبية، وتتسارع معدلات التضخم لتلتهم ما تبقى من القوة الشرائية للمواطن.
في هذا الوقت يبرز مجدداً النقاش حول تبديل العملة الوطنية وحذف صفرين منها، كإجراء نقدي يحمل بين طياته الكثير من الجدل والآمال في آنٍ معاً.
الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي، وضع الخطوة في إطارها العلمي والاقتصادي، وشرح أبعادها المحتملة على السياسة النقدية، النظام المصرفي، والأسواق، كاشفاً عن الشروط التي تحدد نجاحها أو فشلها في أن تكون رافعة اقتصادية حقيقية لا مجرد تعديل رمزي في أوراق النقد.
إعادة هيكلة
ويرى الخبير قوشجي أنه في ظل الأزمة الاقتصادية العميقة التي تعصف بسوريا، وتجلّت بانهيار قيمة الليرة السورية، وتضخم هائل، وتراجع حاد في القوة الشرائية، يبرز قرار حذف صفرين من العملة الوطنية كخطوة نقدية تحمل أبعاداً تتجاوز الشكل الرمزي نحو إعادة هيكلة النظام المالي وتعزيز الثقة بالعملة المحلية. هذه العملية، التي تعني تحويل كل 10,000 ليرة قديمة إلى 100 ليرة جديدة، لا تغيّر القيمة الحقيقية للنقود، لكنها تُبسّط المعاملات اليومية، وتُسهّل الفوترة والمحاسبة، وتُقلل من الأخطاء التشغيلية في المؤسسات العامة والخاصة، ما يُعيد الاعتبار لوظائف العملة كمخزن للقيمة ووسيط تبادل.
ويقول: من الناحية النفسية، يُمكن لهذا التغيير أن يُعزز الثقة بالليرة السورية، خاصة إذا ترافق مع إصلاحات اقتصادية وإعلامية ممنهجة، كما حدث في تجارب ناجحة مثل تركيا والبرازيل.
أما الاقتصار على البعد الرمزي، كإزالة صور رموز النظام السابق من العملة، دون إصلاحات اقتصادية موازية، فسيجعل الخطوة أقرب إلى تغيير شكلي لا يمس جوهر الأزمة، وفقاً للخبير قوشجي.
تبديل العملة لا يُعد علاجاً مباشراً للتضخم، بل هو أداة مساندة ضمن حزمة إصلاحات أوسع، فالتضخم في سوريا ذو طبيعة هيكلية، ناتج عن عجز الموازنة، ضعف الإنتاج المحلي، الاعتماد على الاستيراد، وفقدان الاحتياطي الأجنبي. ومع ذلك، فإن حذف الأصفار يُمكن أن يُمهّد لتفعيل أدوات السياسة النقدية بكفاءة أعلى، ويُرسل إشارات إيجابية للأسواق، ما يُبطئ من وتيرة التهافت على شراء العملات الأجنبية، ويُسهم في تثبيت سعر الصرف إذا ترافق مع ضبط الإنفاق وتحفيز الإنتاج.
آثار هذا القرار
وعن أبرز آثار هذا القرار يلفت الخبير قوشجي أنه يُتيح للمصرف المركزي فرصة لإعادة ضبط السيولة، عبر حصر الكتلة النقدية المتداولة خارج النظام المصرفي، وتشجيع الأفراد على إدخال أموالهم إلى البنوك.
معتبراً أنه يُسهم في تعزيز الشمول المالي، وتوسيع خدمات الدفع الإلكتروني، وتقليل مخاطر غسل الأموال، خاصة إذا تم تنفيذ العملية عبر الحسابات المصرفية وتحت رقابة صارمة من هيئة مكافحة غسل الأموال.
ويبدي تفاؤله بأن عودة الأموال المدخرة أو المهربة من الخارج، خصوصاً من لبنان ودبي والعراق، قد تُسهم في زيادة السيولة داخل الجهاز المصرفي، لكنها تحمل خطراً كبيراً إذا لم تُحكم الرقابة على استخدامها، إذ قد تُستخدم للمضاربة على الدولار، مما يُسبب تدهوراً جديداً في قيمة الليرة السورية.
أما العلاقة بين الأسعار وسعر الصرف، يقول قوشجي إنها حساسة للغاية في هذه المرحلة، فالسعر للدولار نحو 11,000 ليرة سورية يجب أن يُعاد ضبطه ليصبح 110 ليرات جديدة، وإذا ارتفع إلى 112 ليرة مثلاً، فهذا يُعد مؤشراً على تدهور جديد في قيمة العملة. كذلك، فإن أي ارتفاع في أسعار السلع بعد التبديل، ولو بنسبة بسيطة، يُترجم إلى زيادة في معدل التضخم، ما يستدعي رقابة صارمة على التسعير، وتحديث جداول الرواتب، وسن قوانين تحمي القوة الشرائية للطبقات الهشة، وتنظم العلاقة بين الدائنين والمدينين لضمان العدالة في الأثر الاقتصادي.
تجارب
وفي حال غياب الإصلاحات الهيكلية، يرى قوشجي أن خطر الدولرة يصبح حقيقياً، ففقدان الثقة بالعملة الوطنية قد يدفع الأفراد والمؤسسات إلى التعامل بالدولار في التسعير، الادخار، وحتى العقود، كما حدث في دول مثل فنزويلا وزيمبابوي.
كما أن الدولرة ليست مجرد خيار فردي، بل انعكاس لفشل السياسات النقدية في حماية القوة الشرائية للعملة الوطنية، وإذا لم تُرافق عملية تبديل العملة بإصلاحات حقيقية تشمل ضبط الإنفاق العام، مكافحة الفساد، وتحفيز الإنتاج، فإن الليرة الجديدة قد تفقد قيمتها بسرعة، وتُصبح مجرد واجهة شكلية لأزمة أعمق.
في المحصلة يبين الخبير قوشجي أن نجاح عملية حذف الصفرين من العملة السورية مرهون تماماً بما يليها من إجراءات جذرية، تشمل ضبط الكتلة النقدية، تحفيز الإنتاج المحلي، مكافحة الفساد، وتنسيق السياسات المالية والنقدية.
و إذا أُحسن التخطيط والتنفيذ، يُمكن أن تتحول هذه الخطوة من مجرد تعديل رمزي إلى رافعة اقتصادية تدعم مرحلة إعادة الإعمار والنمو، وتُعيد تعريف العلاقة بين المواطن والعملة، وبين الدولة والسوق، على حد تعبيره.