الملحق الثقافي:
هل تغير حال الكتاب ، وهل تحسنت أحوال المؤلف ، صار قادرا على على ان يقول : ها انا أعيش من مقالاتي ومن كتبي ؟
هل تحسست ألاطراف المعنية بالنشر ولاسيما في الوطن العربي لتقول له : تفضل : ها أنت قد حققت ريعا مقداره كذا وكذا؟
هل علينا أن نظل نكتب الحال نفسه ، ما الذي تغير وكيف ؟
منذ أن بدأ النشر في بلادنا بدأت المشكلة، طرفان يذهب ضحيتهما الطرف الثالث المقصود والمطلوب من كليهما ألا وهو القارئ، أما الطرفان اللذان نتحدث عنهما، فهما الناشر والمؤلف، والطرف الثالث بلغة السوق هو المشتري وبلغة الثقافة القارئ،
وبمصطلحات الإعلام (المتلقي) وكلّ هذه المسميات لاتهم أمام المشكلة المزمنة التي على ما يبدو لن تحل مادامت خارجة من عقالها ولماتؤسس أو توضح معايير حقيقية تضبط العلاقة بين الطرفين الناشر يشكو ويصرخ ويغلق النوافذ والأبواب ويكاد يقول لك: هذه كتبي خذها واجعلها وقوداً، والمؤلف يرى أن الناشر استلب حقوقه وأجبره على توقيع عقد غير منصف.. أما القارئ الذي أصبح عملة نادرة لأسباب كثيرة لسنا بصدد الحديث عنها يقف عاجزاً عن شراء كتاب يحتاجه لأن الأسعار تحلق عالياً وكما يقال: العين بصيرة واليد قصيرة.. ولكن إلى متى ستبقى هذه العلاقة متأرجحة..
على ذمة المؤلف..
المؤلف ونعني به المؤلف الحقيقي (لا المؤلف) يقضي سنوات وسنوات يعد الكتاب / الدراسة/ البحث/ الرواية/ الشعر..
أي لون من هذه الألوان.
ينشغل عن أي شيء آخر إلا عما يعده، وحين ينجز يدفع به إلى الناشر ربما يبحث سنوات ليجد الناشر الذي يقبل أن ينشر كتاباً لمؤلف لم يخط طريقه بعد، وحين يأتي توقيع العقد، يظن الكاتب أنه حقق انجازاً ولكنه بعد حين يكتشف أن الذي وقع عليه صك تنازل عن ملكية مخطوط وقد وقع في المصيدة، الحوادث في هذا المجال كثيرة لاتعد ولاتحصى، ولا أظن أن كاتباً نشر أكثر من كتاب إلا وقد وقع في هذه المصيدة.
خمس سنوات وأربعة آلاف ليرة
لاتظنوا أني أروي طرفة من عالم آخر، كاتب سوري قضى خمس سنوات يعد دراسة جديدة من نوعها في المكتبة العربية وبحكم عمله في مركز دراسات كان يجمع المادة الأولية التي من الصعب على غيره الوصول إليها.. وحين صارت كتاباً كانت المفاجأة أن أي دارنشر لم تدفع أكثر من 5000 ألاف ليرة سورية، وسلم أمره ووقع عقداً، وذهب الكتاب وطبع أكثر من 6 طبعات خلال عامين وشكل ركيزة أساسية في منشورات تلك الدار وبعد أن صار للكاتب اسم لم يتغير الأمر كثيراً، فأفضل مبلغ تقاضاه بعد تجربة 15 كتاباً كلّها رائجة لم يتجاوز الـ15 عشر ألف ليرة وتدفع تقسيطاً، وتمل وأنت تسأل الناشر وربما حين يعطيك بضعة آلاف يظن أنه أنقذك من الفقر وفتح لك خزائن ماله، هذه الحال تنطبق على معظم دور النشر والمؤلفين إن لم نقل كلّها.
ومن الحكايا التي نوردها في هذا المجال مارواه الأستاذ نواف أبو الهيجا حول عقد وقعه مع دار نشر عربية لها سمعتها الجيدة إذ تم تأخير نشر روايته عاماً بعدالآخر وبعد ذلك تصله رسالة تخيره الانتظار عاماً آخر أو سحب المخطوطة مع سطر يقول: مع العلم أن المخطوطات بموجب قوانين النشر المتعارف عليها لاتعاد إلى أصحابها.
وحين تراجع أي عقد لأي دار نشر تجد أن معد العقد صك العقد بحيث تخرج الجهة الناشرة دون أي خسارة أو مسؤولية.
بل إن بعض دور النشر تحظر على الكاتب إعادة تطوير كتابه وإغنائه بالمعلومات خوفاً من أن يعيد نشره ثانية..
ومن أطرف العقود التي سمعت بها أن دار نشر تستقطب مبدعين شباباً ،والعقد ينص على أن يدفع المؤلف مبلغاً من المال كأن يدفع 30 ألف لطباعة ألف نسخة ويأخذ 250 نسخة والدار الناشرة تأخذ منه 750 نسخة وتحت جاذبية العمل الأول يوقع.. الحكايا كثيرة ، ولكن ماذا يقول الناشرون؟!.
الناشرون: مهنة الخاسرين..
مع أن معظم الناشرين يدّعون أنهم خاسرون لكننا كلّ يوم نرى دار نشر جديدة، ونرى من كان يبيع كتباً على الرصيف أصبح ناشراً، يحدثك عن همومه وعن خسائره في هذه المهنة، اختلط الحابل بالنابل ولكن ثمة ناشرون محترفون وحقيقيون يريدون لهذه المهنة أن تتألق وأن تزدهر ولكن دون ذلك أسباب كثيرة أولها:
عدم تشجيع الكتاب تأليفاً ونشراً من قبل أي جهة، أصبح لدينا عدد كبير من الجامعات والمعاهد ولكنها بعيدة عن الكتاب والمؤسسات الثقافية لاتدعم هذه المهنة، بل يشكو البعض من أن الجهات المنظمة للمعارض تحولت إلى جباية الأموال بدلاً من أن تكون راعية للثقافة، وبالكاد يخرج الناشر دون خسارة في أي معرض كتاب عربي، تكاليف الطباعة والشحن والأجور.. والمصادرات.. وقلّة المبيعات ومنافسة الرديء للجيد.. كتاب الإثارة والأبراج والطبخ.. هذه هي مجمل هموم الناشر..
من ينظم العلاقة
الناشرون لهم اتحادهم ولو اسمياً يعنى بقضاياهم وعلى الأقل هو ملاذ لهم، والكتّاب لهم اتحاد وليس الجميع منتسبين إليه وحتى المنتسب لاينجو من الغبن أحياناً فالاتحاد مشغول بدورياته ومطبوعاته.
ومديرية حماية حقوق الملكية الفكرية معنية بأمر آخر، ودور النشر لها محاموها البارعون الذين ينظمون العقود التي تلف الحبل حول عنق الكاتب وكتابه إذا حاول التملص..
هل من حل؟
ربما أجد من المناسب أن يقدم اتحاد الكتاب العرب واتحاد الناشرين ووزارة الثقافة على عقد حلقة نقاش تحدد العلاقة بين الناشر والمؤلف، وأن تطلع جهة قانونية على العقد الموقع بين الطرفين وترد الظلم على من يقع سواء كان الناشر أم المؤلف، وليتم تحديد كلّ شيء بشكل واضح مدة العقد / عدد الطبع/ المكافأة /إعادة الطباعة/ المادة تطوير الكتاب/ توضيح الحقوق والواجبات، ولا بأس أن تجمع هذه العقود وتودع كلها في جهة ما، ولو كلف ذلك المؤلف دفع جزء من مكافآته ليضمن حقوقه التي تبدو أنها دائماً مهددة.
في الجعبة الكثير عن العلاقة بين الناشر والمؤلف ولكن لابد من الصمت لأنها صرخة في واد سحيق، ربما هو وادي جهنم، فالكل فرح بما كسبه من الآخر حلالاً أم قنصاً.
هي الحكاية نفسها ، واليوم زادت القرصنة الالكترونية ، والشكوى الدائمة من الناشرين ان الكتاب ليس بخير ، لا نبيع ولا نشتري ،لكنهم يهرعون إلى المعارض أينما كانت ويحققون أرباحاً ،ولكنك ككاتب ليس لك منها إلا أن تسمع أن المعارض خاسرة .
العدد 1113 – 27- 9-2022