الملحق الثقافي-سعاد زاهر:
هل نتوقع أنه سيكون آخر المراكب المهشمة في عرض البحر…؟
حتى سفينة نوح، لو أنها تخلت عن قانونها الزوجي، وحملت تلك الجموع، هل بإمكانها العبور بهم عرض البحر…؟
وإن فعلت هل تتمكن من النجاة فعلاً؟!
مراكب الموت، وقوارب النجاة المطاطية، وكل تلك الأمواج التي لا ترحم لتنزلق القوارب المحملة ببشر آثروا التخلي عن كل شيء والرحيل، إلى أرض غريبة يحتمون بها، دون إدراكهم أنها لا تريدهم، وهي تمنع خلاصهم…!
لن يكون المركب الغارق قرب شواطئ مدينة طرطوس، آخر تلك القوارب، ولكن التقاطنا لكل تلك التفاصيل عبر الناجين القلائل، من مختلف الجنسيات العربية… جعل مشاعرنا ونحن الذين عايشنا كل أنواع الموت، تنفلت نحوهم نتابع تفاصيل الناجين والغارقين على السواء.. بقايا صور عروس اعتقدت أنها تلتحق بعريسها، المهندسة وحبيبها الهاربين نحو حلم أصبح في قاع البحر…
قبلهم وفي مركب آخر.. عرفنا حكاية الأب الذي التهم البحر عائلته بأكملها واضطر إلى إفلات يد صغيره بعد أن امتلأت رئتيه بالماء…
وتتتالى المشاهد، الابن الذي توفي من العطش ورماه والده في البحر..
وتلك القوارب المطاطية التي حاصرها خفر السواحل بهدف إغراقها…
رغم المخاطر، ستستمر تلك المراكب في مد الأشرعة المقطوعة، والمضي نحو وجهتها، طالما هناك أيدٍ تتقن لف الدولارات وتكدسها في جيبها، لا يهمها إن تكدست أجساد بشر شعروا في لحظة أنهم مجرد أشياء لا يفك تجميدها إلا في مكان آخر…!
الوجع والرعب، ومآسي البشر، أفظع من أن تقاس، مجرد ذكرها ونحن نتابع كل تلك المشاهد الآتية من قوارب الرعب، تنقطع الأنفاس…
متسائلون…هل يكفي أن نقول فقدوا الانتماء، وهل الإدانة تحل المشكلة، ألا تختلف حساسية كل فرد تجاه التعاطي مع الأزمات…؟
ألا نحتاج حين نشتغل على تعميق الانتماء إلى تفعيل جدي لكل ما يحسن ظروف الحياة، والبدء بإلغاء ما يعكر صفو جيل، لم يعد من السهل إقناعه وهو يرى كل هذا البريق الخادع لعوالم يفعل المستحيل كي يغادر وطنه مصراً على الوصول إليها، حتى لو على قارب صدئ بلحظة ينقلب مستهزئاً به وبأحلام مهاجرين أطاح يأسهم بحياتهم حتى قبل الغرق…!
العدد 1113 – 27- 9-2022