الملحق الثقافي- شهناز صبحي فاكوش:
يرتقي المرء بقدر ما يدفع غيره للارتقاء، يُرْزَقُ بقدر ما يكون سبباً لرزق الآخرين.. تهطل عليه الخيرات عندما يكون مفتاحاً للخير، يعرف السعادة عندما يسعى لإسعاد غيره فلا يشح بها.. ذلك أن في الحياة قانوناً للوفاء، لا يعرفه إلا الخلَّصُ، من يعطون بصدق.. فيعود العطاء عليهم سخياً.
عندما ينكفئ بريق حياة الشعوب، ندرك تماماً أن أطفالهم لا يمكنهم تناول الطعام الآن.. ومع ذلك نجد حكوماتهم تطالب الناس بتقليل الاستهلاك.. وفي بعض الدول تصير عتمة الجوع هي الغالبة.. مجاعات تميت الأطفال أو تجعلهم فريسة التشوه.. البريق ينطفئ في دول العالم الثالث.
الدول الكبرى التي مارست العنصرية على شعوب الأرض، نالت حق الفيتو في مجلس الأمن ورغم تدني مقومات قوة بعضها الآن، ما زالت تكرس العنصرية على أطفال الأقليات العرقية في بلادها.. وكذا على الدول التي تُدْخِلُ إليها الإرهاب.. فهي تحرم أطفالهم من أحلام المستقبل..
يسكن قاطنو تلك الدول بدلاً من مساكن مريحة.. دوامة القلق من الحاضر.. بلبلة تسحقهم بين حجري الرحى، الإثراء الفاحش للآخر.. وتعميق الفقر الذي يلفح حياتهم، ما يطفئ ذاك البريق الذي ما كانوا يخجلون يوماً من شدته في بلادهم.. في حين خشيتهم من المستقبل هاجس يلازمهم.
أما بلاد الشمس والقمر التي يتغنى بها الشعراء والأدباء على مر عصور تاريخها.. حيث يحكي كل حجر فيها حكاية عاشقيْن.. وعلى جذوع أشجارها أبجديتها التي حملت حروفهم.. وبين أوراقها ملامحهم.. ومع كل نجمة ياسمين لهم تنهيدة.. هي زجاجة عطر عبقها لا ينضب..
عندما تتهادى أوراق الشجر وتعبث بها النسائم، تسمع جلجلة لأجمل ألحان الطبيعة، التي لا يمكن أن تُغادر الذاكرة.. رغم معاناتها من الانهيار المحدق.. هاربة إلى الحنان الذي تحتاجه النفوس المتعبة.. حين تُثقِل الأوزار النفس البشرية بالنصائح والعتب؛ تزداد توقاً للانفلات من عقالها..
تتوق النفس في وقت ما إلى الحاجة لخازن أسرار يخفف حملها الثقيل، الذي ناءت به أوصالها وهي تعلم أنها لن تندم على البوح به.. فما هو سر اليوم لابد يتكشف غداً، فيزداد بريقه توهجاً حين يتناوله الجميع، عندها ترتاح فلحظات الضعف يحتاج فيها المرء للاحتواء وجبر الخاطر..
تلك هي أعظم مساحة ما بين النصيحة والعتب، يقسم فيها المرء أنه لن يغادر، ولن يبرحها ولن يتركها لهم.. هاتفاً.. أرضي.. لو أحرقوني أو قتلوني برصاصهم.. سأنزف حتى يجبل دمي ترابها فيصير حناءً يخضب شعر الصبايا.. وإن أحرقوني سأكون سماداً ليزهر نبتها..
العدد 1113 – 27- 9-2022