الثورة – ترجمة ميساء وسوف
عُقدت القمة الأولى لدول جزر المحيط الهادئ الأمريكية في واشنطن يومي 28 و 29 أيلول الفائت بمشاركة قادة وممثلين من 14 دولة من جزر المحيط الهادئ، وهذه هي المرة الأولى التي تتلقى فيها هذه الدول دعوة جماعية من واشنطن والتي حشدت لها الكثير من الدعاية، ووصفت القمة بأنها “علامة فارقة”.
ومع ذلك، يعتقد الرأي العام عموماً أن هذا “جهد دبلوماسي غير مسبوق” قامت به الولايات المتحدة لمواجهة الصين، بينما في الوقت نفسه، تشعر بعض الدول التي حضرت بالقلق نتيجة إجبارها على الانحياز إلى جانب معين.
لقد بالغت واشنطن في أهمية هذه القمة، فهذه خطوة جديدة لسلسلة من الإجراءات التي اتخذتها لكسب السيطرة على المنطقة منذ العام الماضي بعد أن بدأت في اعتبار التبادلات الودية بين الصين ودول جزر المحيط الهادئ بمثابة شوكة.
ووفقاً لكورت كامبل، منسق شؤون المحيطين الهندي والهادئ في مجلس الأمن القومي، فإن “الغرض (من القمة) ليس فقط الاستماع إلى قادة المحيط الهادئ، ولكن وضع موارد هائلة على الطاولة”.
في القمة، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن 810 ملايين دولار كتمويل جديد لبلدان جزر المحيط الهادئ “لتلبية الأولويات”.
إنه لأمر جيد أن تتمكن واشنطن حقاً من الوفاء بوعودها، ولكن بناءً على التجارب السابقة، تتمتع الولايات المتحدة الأمريكية بسمعة دولية متدنية للغاية فيما يتعلق باحترام الالتزامات.
من المعروف للجميع أن اهتمام واشنطن المفاجئ ببلدان جزر المحيط الهادئ ليس بدافع الضمير، بل لها هدفها الاستراتيجي الخاص.
في السنوات الأخيرة، أصبح التطور السريع للتعاون متبادل المنفعة بين الصين ودول جزر المحيط الهادئ شوكة في خاصرة الولايات المتحدة وهي حريصة على إزالتها.
بعبارة أخرى، يكون الحصول على المساعدة من واشنطن دائماً على حساب كرامة الدولة وجزء من سيادتها.
عشية القمة، أصدر مركز أبحاث ممول من الكونغرس الأمريكي تقريراً يقول إن جزر المحيط الهادئ “تشكل حاجزاً استراتيجياً هاماً بين الأصول الدفاعية الأمريكية في غوام وهاواي والمياه الساحلية في شرق آسيا”، ووفقاً للتقرير، إذا نجحت بكين في “جلب إحدى هذه الدول إلى مجالها، فإنها ستعرض القدرات العسكرية الأمريكية للخطر في منطقة قيادة جغرافية حيوية استراتيجياً”.
تريد الولايات المتحدة أن تجعل دول جزر المحيط الهادئ ممتنة للغاية لـ “لطفها”، وتنحني لها وتكون بمثابة بيادق في استراتيجيتها في المحيطين الهندي والهادئ من خلال تقديم خدمات تافهة لها، وهذا أكبر ازدراء لهذه البلدان.
ربما، من وجهة نظر واشنطن، امتياز الحصول على دعوة إلى البيت الأبيض لأول مرة، والاستقبال الذي يشمل السجادة الحمراء والأضواء، ومساعدات بملايين الدولارات تكفي لجعل دول جزر المحيط الهادئ تشعر بالرضا الشديد، لكن هذه الدول تتمتع بالاستقلال والسيادة، لذا فهم يريدون احتراماً حقيقياً من الولايات المتحدة، وعدم السماح لها بالتدخل أو استخدام مفاهيم جديدة ملتهبة لإحياء نموذج الهيمنة القائم على تبعية الدول الصغيرة.
بالنسبة لبلدان جزر المحيط الهادئ، فإن مطلبها الأساس هو الازدهار والاستقرار الإقليميين، حيث يأملون في أن تقبل الولايات المتحدة استراتيجيتها لعام 2050 لقارة المحيط الهادئ الزرقاء لمعالجة تغير المناخ وتعزيز التنمية المستدامة في المنطقة.
في القمة، على الرغم من أن واشنطن زعمت أنها اتخذت “إجراءات عاجلة” بشأن القضايا، بما في ذلك أزمة المناخ، فإن سكان جزر المحيط الهادئ لديهم مخاوف جدية بهذا الشأن، علاوة على ذلك، فإن دوافع واشنطن ليست واقعية، و لاتخفي وسائل الإعلام الغربية حقيقة أن الولايات المتحدة بذلت جهوداً “غير مسبوقة” لحشد دول جزر المحيط الهادئ “لموازنة نفوذ الصين”.
لقد تغير موقف الولايات المتحدة تجاه دول جزر المحيط الهادئ من الإهمال طويل الأمد لما يقرب من 80 عاماً بعد الحرب العالمية الثانية إلى الاهتمام المفاجئ الذي يهدف إلى احتواء نفوذ الصين.
لا يمكن التستر على مثل هذا “الكبرياء والتحيز” من خلال عدد قليل من البعثات الجديدة، وزيارات كبار المسؤولين، وإعلانات مساعدات كبيرة بالدولار.
من المأمول أن تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من تغيير الطريقة التي تنظر بها إلى العالم والبلدان الأخرى وتعامل دول جزر المحيط الهادئ باحترام صادق ومساواة.
هذا ليس فقط السلوك المناسب الذي يجب أن تتمتع به قوة عظمى، ولكن أيضاً الحد الأدنى من المسؤولية التي يجب أن تتحملها من أجل السلام والاستقرار الإقليميين.