الثورة- ترجمة ميساء وسوف:
أصدر البيت الأبيض في 12 تشرين الأول الجاري استراتيجيته الجديدة للأمن القومي، وهذا روتين لكل إدارة أمريكية ووثيقة مهمة تعكس وتوجه الشؤون الداخلية والسياسية للحكومة الحالية.
ولكن بعد قراءة الوثيقة المكونة من 48 صفحة، يشعر المجتمع الدولي عموماً بإحساس قوي بالقلق وعدم الارتياح لأن “الأمن القومي” الذي تنتهجه الولايات المتحدة الأمريكية يأتي على حساب أمن الدول الأخرى.
إذا تم اتباع المسار والاتجاه المنصوص عليهما في التقرير، فإن القوة العظمى للولايات المتحدة الأمريكية ستذهب عاجلاً أم آجلاً إلى الجانب الآخر من السلام والاستقرار العالميين، وستكون العواقب لا يمكن تصورها.
تأخر إصدار تقرير الاستراتيجية لعدة أشهر بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية، لكننا لم نر من خلال التقرير أن الولايات المتحدة الأمريكية قد فكرت بعمق في السبب الجذري للصراع، ناهيك عن عدم تعلم أي دروس.
ولكنها بدلاً من ذلك، عززت المواجهة بين المعسكرات مما أدى إلى زيادة التوترات التي أدت إلى اندلاع الصراع في أوكرانيا. والأخطر من ذلك، أن واشنطن ضاعفت من عقلية الحرب الباردة هذه في علاقاتها مع الصين، و”المنافسة مع الصين واضحة في كل فصل (من التقرير)”، معتبرة الصين “التحدي الاستراتيجي الأكثر إلحاحاً”.
على الرغم من أن بعض وسائل الإعلام الأمريكية زعمت أن التقرير “لا يتضمن أي تحولات كبيرة في التفكير”، إلا أنه يعني في الواقع أن إدارة بايدن قد فشلت في إجراء أي تعديلات على موقف إدارة ترامب الراديكالي تجاه الصين، وبدلاً من ذلك، يبدو إلى حد ما أنه يعزز هذا التقدير الخاطئ. هذا نتيجة المنافسة الشرسة بين الطرفين في الولايات المتحدة، حيث ينظر الجانبان إلى مناهضة الصين على أنها نوع من “الرهان الانتخابي”.
لاحظ الرأي العام حكماً صارخاً للغاية في التقرير، وهو الادعاء بأن “حقبة ما بعد الحرب الباردة قد انتهت نهائياً”، وهو مليء أيضاً بالتباهي بما يسمى بإنجازات التحالفات العسكرية مثل الناتو و”أوكوس” AUKUS ويسرد بالتفصيل خطوات الولايات المتحدة الأمريكية للتنسيق مع حلفائها لإطلاق منافسة جيوسياسية ضد دول أخرى.
كما يقسم التقرير ببساطة العالم التعددي إلى “منافسة بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية” وفقاً لإرادة الولايات المتحدة الأمريكية، بهدف قطع جذور إمكانية التعايش السلمي والمتناغم بين الحضارات المختلفة. هذا هو أوضح تعبير على غرار الحرب الباردة في استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة، وممارسات واشنطن الفعلية تعكس أيضاً لعبة خاسرة محصلتها صفر، الأمر الذي يجعل ادعاءها “إدارة المنافسة (مع الصين) بطريقة مسؤولة” منافقاً.
لقد مرت 31 سنة على نهاية الحرب الباردة، لكن النخب السياسية في واشنطن ما زالت لم تتعلم التعايش مع الدول الأخرى بطريقة جديدة. لقد فشلوا أو رفضوا قبول التغييرات الأساسية في العصر والتكيف معها، وهم لا يزالون بحاجة إلى إنشاء إحداثياتهم الخاصة من خلال خلق “أعداء وهميين”، وهذا النهج له آثار جانبية خطيرة جداً.
التقرير الجديد مرآة تعكس الأنانية و”الطموح”، حيث تؤكد واشنطن، في جميع تقاريرها المتعلقة باستراتيجيتها الوطنية، على “قيادة” العالم، لا حرج في الطموح، ولكن ماذا تريد الولايات المتحدة أن تفعل بـ “قيادة” العالم؟.
هناك أيضاً العديد من المحتويات المتناقضة والمربكة منطقياً في التقرير، والتي تعكس عجز الولايات المتحدة الأمريكية وعدم كفاءتها في مواجهة القضايا العالمية الحقيقية سواء من حيث الإدراك أو الأساس العقلي والرؤية، تخلفت واشنطن بشكل خطير عن التطور المعقد للهيكل الدولي واحتياجات العصر الحالي.
لقد فقدت واشنطن عقلها في سعيها لقمع واحتواء الصين، لهذا كان التقرير الأخير عن استراتيجية الأمن القومي أشبه بـ “مؤامرة” تفتقر إلى الحداثة ولكنها مليئة بالنوايا الخبيثة، وهو أمر خطير على العالم، ومؤسف للولايات المتحدة التي تدعي دائماً بأنها قادرة على “قيادة” العالم، ولكن الصحيح هو أنها تجعل المجتمع الدولي مليئاً بالحروب والهموم؟.