ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:
تحل النكبة.. وعلى الأرض العربية تموج عشرات من مشتقاتها, التي تحاول أن تستحضر من بين عباءات النكبة ما يصلح ليكون توطئة لنكبات قادمة رسمتها أميركا وإسرائيل على ما تبقى من صكوك خرائط سايكس بيكو.
تحل النكبة ولم يعد الوجع العربي هو الوجع الذي يمتد من الخليج إلى المحيط، ولم تعد النوائب حالة تعايش بين الهموم العربية، وبات لكل عربي همومه ومواجعه، لكل حصته من الألم وخارطة خاصة به من الإحداثيات التي قد تتقاطع أو تتشابه في بعض الأحيان، لكنها في نهاية المطاف أحدثت عزلاً إفرادياً لكل جرح عربي.
لم تعد المأساة تنفرد بها فلسطين دون سواها، ولم تعد القضية الفلسطينية تستدعي اجتماع العرب أو بعضهم ولا لكي تحرك خطاباتهم لبعض الوقت، فلديهم ما يخطبون به حتى إشعار آخر، ولديهم ما يجمعون من أجله المشيخات مع الممالك وأن تحضر معها «النخوة» المكبوتة منذ عقود المجاهرة بالتحالف مع أميركا، و«الصداقة» مع الغرب والغزل غير العفيف مع إسرائيل.
حال العرب لا يشبه حالهم بعد أن أعطوا قيادهم لأعراب وبعض من مرتزقة السياسة ومراهقيها، فكادت تغيب النكبة عن سطور خطاباتهم وفي بعضها حذفت من القاموس السياسي لتحل مكانها لغة التحريض، وخطاب استجداء العدوان على العرب، ومنهج الاستقواء بفصول الأمم المتلونة.
تعود النكبة محمولة على دفاتر الذاكرة وقد سطرت الأعراب بديلاً منها، وأحضرت نكبات تفوق في جزء من تفاصيلها ما حل بالعرب على مدى ستة وستين عاماً، وفي عودتها لا تخفي أسطر النكبة الحنين إلى أيام خوالٍ كانت فيها الحاضر الذي لا يغيب، وإلى عهود كانت تسطر عبرها ومن خلالها رسائلها المحملة على جنائز الدمار والخراب وما حل بالقضية والشعب والمصير، وما ينتظرها في أروقة الأمم وبحضور الأعراب الذين يستلمون أمر العمليات وبطاقة العبور إلى مصاف الحلفاء «المخلصين» لإسرائيل.
تستغرب النكبة كيف خرجت الأعراب عن صمتها وقد علا صوتها، وهي التي عرفتهم جماعات وفرادى يطوفون لنيل الرضا الإسرائيلي والحصول على شهادة حسن سلوك من الأميركي بعد أن سكبوا ماء وجههم مراراً وتكراراً.
في النكبة التي تمر هذه الأيام، يبدو حال الأعراب لا «يسرّ»، وكثير منهم ذهبت به طاحون الأحداث إلى غير موقع، وبعضهم ينشد الحديث من الأبواب الخلفية بعد أن أغلقت في وجهه الأمامية، أو لا يزال يتحرج من طرقها بعد أن أمعن في إمطارها بوابل من المرتزقة والإرهابيين، وأسهب في التآمر عليها.
الفارق، أن النكبة لم تعد للذكرى والتذكير ولا لقراءة مطولات خطابية، بل للتمعن فيما يجري في وقت تواجه فيه القضية الفلسطينية محاولة لاستكمال فصول النكبة التي عجزت عنها في الماضي، وتستفيض في الإضافات الجانبية التي تجعل من النكبة ذاتها مجرد أسطر في دفاتر النسيان حين اندفعت الأعراب للإجهاز على ما تبقى من دلالاتها وتستظل على هوامشها في النتف الباقية.
والمختلف, أن النكبة التي عجزت عن محوها محن الزمن وقفر السنين، لن يكون بمقدور أذرع المشيخات ولا أيدي الأعراب أن تغلق الصفحات الأخيرة منها، سواء جاءت بلبوس ربيع كاذب أم صقيع عدوان أميركي داكن، وسواء كانت بالأصالة عن الإسرائيلي أم بالوكالة عن الغربي.
قد تغيب النكبة عن نشرات أخبار الأعراب، وقد لا تجد لها مكاناً على صحفات إعلامها، لكنها تستحضر في كل مشهد عربي المزيد من الإضافات التي تعيد التذكير فيها، لترابط على الخط الفاصل بين خندق المواجهة مع المشروع الغربي، ومتاريس زرعتها الأعراب كمؤشرات سهمية لذلك المشروع داخل البيت العربي، فكانوا ناطقين باسمه، وراعين له، وضامنين حصريين وممولين لخطوط النار داخله.
a.ka667@yahoo.com