الملحق الثقافي:
لا يختلف اثنان على أن مي زيادة شكلت ركناً أساسياً في تاريخ الأدب العربي في القرن العشرين فهي الكاتبة والمبدعة التي شغلت كتّاب عصرها ومحبيه من خلال صالونها الأدبي وما كان يجري فيه من نقاشات، وبعد ذلك من خلال مأساتها التي قادتها إلى مشفى المجانين ومن ثم النهاية التي تحزن كلّ قلب لما تكشف عنها من طباع البشر ولاسيما الأقرباء، فهم الطامعون بما تملكه فقد دفعهم هذا الطمع إلى تدبير دخولها مشفى الأمراض العقلية ومن ثم الحجر عليها.
هذا الخط العريض من حياة مي زيادة هو محور رواية واسيني الأعرج التي جاءت تحت عنوان مي ليالي ايزيس كوبيا
وقد صدرت طبعة خاصة بسورية عن دار الحوار في اللاذقية.. يبدأ المؤلف الرواية بفصل تحت عنوان في ملابسات مخطوطة ليالي العصفورية وهي حسب زعم الروائي قد كتبتها مي زيادة في العصفورية، وكان لابدّ من الوصول إليها لتكون نقطة ارتكاز في العمل الروائي.
قبل الولوج في عالم الرواية وأحداثها هل لنا بسؤال يجب أن تكون الإجابة عليه واضحة وبينة..
هل يحقّ للروائي أن ينشيء معادلاً تاريخياً لحياة شخصية ما من خلال عمله الروائي حتى لو استند إلى وثائق ومعطيات من سيروحياة من يتبعهم. وهذا السؤال ينسحب على الأعمال الدرامية التي على ما يبدو أنها أيضاً تريد أن تكون بديلاً عن التاريخ بل وتعمل على إعادة صياغته.
الأعرج في روايته الممتعة يبحث وينقب ويتابع وهي ليست من فراغ لكن البحث المعمق قد يقود إلى أماكن ومنزلقات خطرة للغاية…قد يكون إخراجها للعلن ضرباً من المغامرة غير محسوبة النتائج وربما تؤدي إلى كسر صورة اعتدنا عليها.
فهل يحق للروائي فعل ذلك..واذا ما فعل ما النتائج المترتبة على ذلك…على صعيد من يقرأ ويتابع ومن هو من ميراث أو أهل الكاتب والمبدع.
ثمة من يرى أن الأمر عادي ولا ضير بذلك..ولكن آخرين يرون انه من المفيد أن نبقي على الصورة الجميلة التي تشكلت عند الناس عن هذا المبدع أو تلك الشخصية التي نتناولها.
فما الفائدة الآن من فتح مغاور وكهوف السير…لن تقدّم ولن تؤخر وليس الأمر الا محاولة من الروائي تقديم نمط جديد يشدّ القارىء.
في التمهيد الافتراضي للرواية يقدّم الاعرج الجهد المبذول والعمل للوصول الى أوراق العصفورية (ثلاث سنوات من التنقلات برفقة روز خليل بين مدن العالم اقتفاء لأثر مي من بيروت مدينة القلب وتربة الوالد، في عز مراهقتها الى القاهرة التي شهدت أهم الفترات التاريخية في حياتها وانتهت فيها ايضا، إلى روما التي شكلت مكاناً من امكنة استراحتها مثلها مثل برلين، ولندن وفيينا، وباريس،أخيراً مدينة الناصرة التي شكلتها منذ نعومة اظفارها، وجدنا صعوبة في دخولها، حاولنا مرتين، بلا جدوى على الرغم من جوازينا الفرنسي والكندي، في كلّ مدينة من هذه المدن، كانت تنتظرنا سلسلة من المفاجآت والهزات المؤلمة والمفرحة أيضا…وبعد ان يتم العثور على المخطوطة في القاهرة يقول: هذه ليالي العصفورية التي ضيعت كلّ من ركض وراءها في المتاهات المبهمة؟
تمنينا معا لو كان برفقتنا في تلك الليلة السعيدة سلمى الحفار الكزبري، فاروق سعيد، محمد عبد الغني حسن، وداد السكاكيني، روز غريب، أنطون فوال…. وكلّ الذين منحوا مي شيئاً من أعمارهم لينصفوها قليلا فقط، لو كانوا هنا معنا في هذا المكان تحديدا، لشربنا نخب مي ايزيس كوبيا، في عز عنفوانها، عندما كتبت آلامها الاولى وقلنا بصوت واحد ومسموع كأسك يامي وجدناك، فهمناك.. لكن للاسف، أغلبهم خرج من هذه الدنيا القاسية وبقيت أصواتهم مستمرة معنا وفينا.
ليالي العصفورية
تمتد الليالي من ربيع 1936 إلى خريف 1941 / وهي النسخة الكاملة (افتراضيا) الأصلية التي تمّ العثور عليها في صحراء الجيزة ودير عنطورة في بيروت، تحقيق وترتيب: روز خليل وياسين الأبيض.
في الرواية التي لايمكن اختزالها بحكاية طوفان مما دونته مي في ليالي العصفورية، ما الذي جرى لها، وكيف غدر بها الاقرباء قبل الأصدقاء، وكيف وصلت الى المكان الذي كتبت فيه هذه الليالي، تسكب مي (افتراضيا) ما تريد أن تقوله تعود الى الماضي، والحاضر تفند كل شيء، يقرأ الأعرج في متن وخفايا كل حركة وكل سكنة من مي، يصل إلى التلميح بالكثير من الأمور الشخصية جداً، ولا ندري ما الفائدة من الخوض فيها، يقبس القارىء من الرواية ألف حكاية ومعنى، مي هي التي تقول: كبرت في فراغ، قلبي يمتليء رمادا، الجمل عندما ينوخ يكثر ذباحه، الصحافة باعتني، إله من جنون، طاحونة الايام، جوزيف خيبة أملي (هو من قادها إلى العصفورية وهو ابن عمها، وحبها الاول) من قال المجانين غير انسانيين، الشعر وحده انقذني…
وخلاصة القول ما ذهب إليه الدكتورجمال شحيد في مجلة الفيصل السعودية ام 2020 م (أن الكثير من الروايات التي تتصدى لمسألة المخطوطات المفقودة وقد تخلق تشويقًا عنيفًا لدى القراء. في رواية «في ليالي إيزيس كوبيا» (الصادرة عن دار الآداب ودار الحوار عام 2018م) لواسيني الأعرج، نجابه مع الكاتب مسألة حقيقية، وهي البحث عن مذكرات مي زيادة (1886- 1941م)، الكاتبة اللبنانية الفلسطينية التي تألقت في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، ولا سيما في مصر من خلال صالونها الأدبي المشهور وكتاباتها الأدبية والفكرية، ولا سيما في موضوعة النسوية.)
وثمة روايات أخرى كثيرة مثل رواية : المخطوط القرمزي للاسباني : أنطونيو غالا، وهي تعالج فترة مهمة من التاريخ العربي في الاندلس انطلاقا من مخطوط( يتم العثور عليه عام 1931م . محتواه تسجيل لحياة الملك الأخير للتواجد الإسلامي الأخير في بلاد الأندلس – سابقاً – ، دولة أسبانيا – حالياً – وهو مخطوط جميل وفريد من نوعه. ينقل لنا حياة هذا الملك أبي عبد الله.
يعلق الناشر (العربي) على العمل في نسخته المترجمة بجملته هذه : ((هل كان «أبو عبد الله الصغير»-آخر سلاطين الأندلس-خائناً أضاع الأندلس كما يروي لنا التاريخ ؟ لقد حاول الكاتب الإسباني الشهير أنطونيو غالا في هذه الرواية أن يضعنا أمام شخص آخر غير الذي عرفناه وغير الذي وقعت عليه لعنة التاريخ: إنه شخص من لحم ودم يعيش الحياة حلوها ومرّها، شخص يبكي لأنه يعرف أن التاريخ سيضع على كاهله ما لا يد له فيه».
أما قواعد العشق الاربعون فقد حققت حضوراً مهماً بعد أن ترجمت إلى العربية ، بطلتها (هي إيلا روبنشتاين هي إمراة أربعينية غير سعيدة في زواجها، تحصل على عمل كناقدة في وكالة أدبية، ذلك عندما تكون أول مهمة عمل لها أن تنقد وتكتب تقرير عن كتاب يدعى « تجذيف عذب» وهي رواية كاتبها رجل يدعى «عزيز زاهارا». تفتن إيلا بقصة بحث شمس عن الرومي و دور الدرويش في تحويل رجل الدين الناجح ولكن تعيس إلى صوفي ملتزم، شاعر عاطفي، وداعية للحب. وتؤخذ أيضاً بدروس أو قواعد شمس، التي تقدم نظرة ثاقبة للفلسفة القديمة التي قامت على توحيد الناس والاديان، ووجود الحبّ في داخل كلّ شخص منا. من خلال قراءتها لهذا الكتاب تدرك أن قصة الرومي تعكس قصتها وأن زاهاراً كما فعل شمس في الرواية، جاء ليريها طريق الحرية. )
روايات ربما حققت نبوءة اناييس نن ، وعملت على اسطرة الواقع ولكن هل الروايتان الأخيرتان : شيفرة دافنشي والتنين الذهبي مستلتان من رحلة بالداسار ببراعة ربما.. مع الاشارة إلى أن عبق ألف ليلة و ليلة يفوح من رواية مملكة التنين الذهبي ولاتبعد عن رحلات السندباد ومغامراته.
العدد 1117 – 25- 10-2022