الثورة – محمود ديبو:
كشف اللقاء الأخير الذي جمع وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك الدكتور عمرو سالم مع ممثلي التجار بدمشق إصرار هؤلاء على إعادة النظر بالعقوبات المفروضة على المخالفين من باعة وتجار والواردة في مواد المرسوم رقم 8 لعام 2021 الذي جاء ليعزز دور دوائر حماية المستهلك في ضبط الأسواق والحد من التلاعب بالأسعار والغش في المواصفات لمختلف السلع المعروضة في أسواقنا المحلية من غذاء وألبسة وأحذية وتجهيزات منزلية وغيرها..
والملاحظ خلال عام تقريباً من تطبيق المرسوم ارتفاع أصوات هؤلاء إلى الحد الذي وصلوا فيه إلى المطالبة بتعديل بعض المواد التي تنص صراحة على عقوبات تطال المخالفين بالسجن والغرامات المالية الكبيرة، وهذا الأمر يبدو أنه لم يرق لمن اعتاد على مدى سنوات أن يمارس الغش والتدليس والتلاعب بالأسعار، دون أن يلق العقاب الرادع لكون التشريعات السابقة لم تكن تطاله بمثل هذه العقوبات التي نص عليها قانون حماية المستهلك الجديد.
واللافت هنا أن البعض من هؤلاء وجد أن ما أسموه (مخالفات بسيطة) لا تستدعي كل هذا التشدد والغرامات والوصول إلى عقوبات بالسجن، معتبرين أن الأمر يمكن معالجته بعقوبات أخف، فيما تناسى هؤلاء أو ربما لا يريدون ذكر ما تشهده أسواقنا المحلية اليوم من فوضى تسعير ومخالفات فاضحة للمواصفات وغياب عناصر الجودة بمختلف المواد المطروحة وخاصة الغذائية منها، فكل يوم نسمع عن ضبوط غش لمعامل تنتج مواد غذائية تتلاعب وتغش المواطنين إما بمواد أولية فاسدة أو تقوم بتغيير تاريخ الصلاحية لما لديها من مواد بالمستودعات وصولاً إلى تقديم لحوم فاسدة في بعض المطاعم وذبح إناث الأغنام وبيع لحوم لأغنام نافقة وغيرها..
أليس كل هذا مرده على المستهلك الذي سيدفع الثمن مرتين الأولى عندما يشتري السلعة والثانية عندما تعتل صحته نتيجة لذلك ويلجأ إلى العلاج والتداوي..؟؟
أم أن هؤلاء يعتقدون أن قليلاً من الغش والتلاعب لا يضر بالمستهلك ولا يؤذيه..؟؟
إن المبدأ السائد اليوم في معظم أسواقنا المحلية هو الربح ثم الربح مهما كانت الوسيلة أو الطريقة المتبعة للوصول إلى ذلك، فالغش متاح والتلاعب متاح والعبث بصحة المواطن غير ممنوع ورفع الأسعار واحتكار السلع والمواد أيضاً يعتبر واحدة من أنجع الطرق التي ترفع مؤشرات أرباح هؤلاء بنسب كبيرة جداً..
أليس كل هذا مخالفات شائنة تستوجب العقوبات الرادعة سواء بدفع الغرامات المالية الكبيرة وحتى بالسجن لسنوات قد تصل إلى سبع سنوات…؟؟
كيف يبرر هؤلاء لأنفسهم الأخطاء والارتكابات ويدعون حرصهم على المستهلك وتأمين احتياجاته وسعيهم لدعم الاقتصاد الوطني من خلال تأمين السلع في الأسواق وهم يمارسون يومياً عمليات الغش والتدليس والتلاعب بالأسعار واحتكار المواد.. ثم يأتي من يقول إن العقوبات باتت قاسية على التجار ولا تتناسب مع نوعية (المخالفة البسيطة)..
من جهة ثانية وبحسب ما ادعى البعض بأن التشدد بالعقوبات من شأنه أن (يطفش) المستثمرين، فإنه من باب أولى ألا نستقبل مستثمرين لديهم نوايا بارتكاب الغش والتلاعب بلقمة عيش المواطن وصحته وسلامته، والمستثمر الجدي بعمله والذي يسعى لاستمرار استثماره وتطوره لا يلجأ للغش والتلاعب والتدليس، وإنما يسعى لتقديم منتج بمواصفات جيدة وبأسعار مناسبة دون العبث بباقي التفاصيل التي يذهب إليها بعض ممثلي التجار..
كذلك فإن ما ذهب إليه آخرون بضرورة اعتماد ملاحظات وآراء ممثلي التجار فيه الكثير من المنطق والموضوعية ويتناسب مع ما تتوجه إليه الحكومة في إنضاج تجربة التشاركية بين مختلف القطاعات للوصول إلى أداء أفضل، لكن السؤال هنا أين دور غرف التجارة وممثلي التجار في التأثير على الأسواق وضبط حالات التلاعب والغش التي نسمع عنها كل يوم، فالتشاركية يجب أن تكون باتجاهين وليس باتجاه واحد أي أن يبادر هؤلاء لأخذ دورهم بالتوازي مع الدور الحكومي المرتبط بمراقبة وضبط الأسواق لتتكامل الأدوار ويكون هناك تأثير من الجانبين على كل من تسول له نفسه ارتكاب الأخطاء مهما كانت صغيرة أو كبيرة…
هذا الشكل من الأداء المطلبي المستمر لممثلي التجار لن يثمر عن علاقة تشاركية حقيقية إن لم تبادر تلك الغرف في أخذ دورها أولاً وتظهر التزامها بالتشاركية التي تنادي بها، وإلا لن تستقيم المعادلة التي تحتاج إلى جهود الطرفين.