الملحق الثقافي- حسين صقر:
لا نشك للحظة بأن أفكارنا تتأثر بالمحيط الخارجي، وكما يقول المثل العامي» الضربة التي لاتقتل تسبب الألم»، ولهذا فالأمن الفكري ضروري لتحصين العقل من تأثير العامل الخارجي المزعوم، حيث لايفل الحديد إلا الحديد، والرطل بحاجة لرطل وأوقية كي ترجح كفته.
وبالتالي فالجهد الأمني لتحصين الفكر لايكون في أغلب الأوقات كافياً، إذ إن الرقابة على هذا الفكر قد لاتكون ناجعة بقدر تأثير الأفكار التي يجب توجيهها كمضاد حيوي بهدف الحد من ظواهر الانحلال الأخلاقي والتطرف والمغالاة في السلوك، ولا بد من وجود خطط شاملة تسعى لحماية الفكر من أي انحراف في التوجه. والأمثلة على ذلك كثيرة، فبالتأكيد هناك من يروّج للمخدرات وثمة من يبيعها، ويسهل حركة مرورها، وبالمقابل هناك من يمنع ويكافح ظاهرة انتشارها، وهذا كله جهود أمنية، لكن أن نقوم بحملات توعية عن أضرارها وأخطارها ونتائجها الكارثية على الفرد والمجتمع، فهنا مربط الفرس، والتعريف بأن من يسير في خطها يعاني من خلل في التفكير، لأنه يوجه تفكيره باتجاه مادي بحت وهدفه تحقيق الربح على حساب حيوات الناس، بينما من يقوم بالتوعية والإرشاد هدفه وغايته نبيلان، وبالتأكيد لن ينساق خلف الغلو والتطرف والانحلال، لأن تلك الأفعال جميعها تتحول لسلوكيات وعادات تهدد الأمن الوطني.
وفي هذا السياق الكل مدعو، والكل معني لإبعاد أي غزو فكري، ولاسيما أن جميع وسائل التواصل والاتصال والبرامج أصبحت موجهة لغزو العقول، وأخص بالذكر الشباب والفتيات، لأنه إذا أردت أن تهزم أمة، عليك بتخريب عقول الشباب فيها، ولكن كما ذكرت فمراقبة هؤلاء لاتكفي، وإنما يجب تهيئة الأجواء المناسبة لهم من فرص عمل وسكن وأجواء مريحة كي يكونوا قادرين على العطاء والإبداع، لا أن نتركهم عرضة لذاك الغزو الفكري، حيث نكون وعن غير قصد ساهمنا بتدمير عقولهم، وحرفهم عن الغايات النبيلة والأساسية التي من شأنها بناء الوطن.
في تقديري أننا على مفترق الطرق لمواجهة أثر إدمان من نوع مختلف يزعزع أمننا الفكري، الأمر الذي يتطلب الانفتاح حول أهمية فكرة الحوار الثقافي في نشر الوعي المجتمعي من خلال المعرفة الجيدة بالاستخدام الآمن للتقنيات الحديثة وأهمية التحصين الذاتي عند استخدامها، وذلك من أجل تنمية أساسيات ومرتكزات الأمن الفكري الإيجابية لدى أفراد المجتمع، وذلك يتم عبر البرامج الإعلامية الهادفة والموجهة ووسائل التواصل الاجتماعي بطريقة إبداعية، بعيداً عن أي تردد أو خوف.
وقد يقول البعض: إن الكلمات والجمل التي تقول إن الحياة لا تستقيم دون أمن، وإن الحضارة لا تزدهر بغيره، مجرد وشوشات وشعارات لاطائل منها، لكننا نقول إذا ساد الأمن والأمان في المجتمعات اطمأنت النفوس، وهدأت القلوب، وانصرفت إلى العمل المثمر والإنتاج الذي ينشر الازدهار في البلاد فتتسع الأرزاق، وتقل الأزمات والفتن والقلاقل، والدليل غياب الأمن في المناطق التي ساد فيها الإرهاب وانتشر، كلنا يعلم على ماذا أضحت، ومن شاهد غير من سمع.
بالنتيجة يبقى الأمن الفكري هو المدخل الحقيقي للإبداع والتطور وإحدى الركائز الأساسية لأي مجتمع لضبط سلوكياته، ولاسيما أننا نعيش في مرحلة وزمن غزت فيه وسائل التواصل الاجتماعي كل تفاصيل حياتنا بشكل لافت ومهول، فأدمنت شعوب كوكبنا الأرضي على استخدام الشبكة العنكبوتية حتى صرنا نعيش بعالم افتراضي، بعد أن كان ذلك العالم إنسانياً واقعياً، حيث لعبت تلك الوسائل بمشاعر الناس على امتداد وجودهم، وتسببت بنشر كثير من المعلومات، وأحدث مواقف وغيرت اتجاهات، وزرعت أفكاراً غريبة وشكلت توجهات، كما نشرت ظواهر غريبة على مجتمعاتنا، وغيّر أنماط تفكير وأثرت بأيدولوجيات واعتقادات، وخلخلت الثوابت والمعتقدات عند البعض.
العدد 1119 – 8-11-2022