الملحق الثقافي-د. ياسر عبد الرحيم:
لن أستطيع إنصاف أستاذنا الدكتور فؤاد المرعي رحمه الله تعالى عبر هذه السطور، ففي ذاكرتي تزدحم الكثير الكثير من المواقف والصور من غير ترتيب ولا نظام، تتلمذت على يديه كما تتلمذ من قبل أساتذتي فهو أستاذ لأجيال عديدة، وعبرَ هذه المسيرة الأكاديمية الحافلة قطف الكثير الكثير من طلابه ومحبيه ثمار إبداعه وارتووا من منهل علمه وترنموا بإيقاعاتها.. فكان بحق أستاذاً جامعياً يخوض نقاشات في مجالات الشعر والأدب والنقد وعلم الجمال ولا تكاد البسمة تغادر محياه أثناء حديثه، وكان ينقل المعرفة إلينا بطريقة منتظمة ممنهجة من دون تشنجٍ أو فرض رأيه، فقد أراد لطالبه أن يكون مفكراً واعياً لا تابعاً.
كان جريئاً موضوعياً في طرح أفكاره والدفاع عنها، فلطالما تجاوزنا أسوار القاعة التي نحن فيها إلى قضايا الحق والخير والجمال، وإلى مأدبة أفلاطون وقضية النفع في الجمال وغيرها، وإلى ما قاله أرسطو وتشرنشيفسكي وغير ذلك الكثير الكثير، كيف لا وهو أستاذ علم الجمال! كان يمتلك قدرة على الارتجال حتى أنَّك لتظنه يقرأ من كتاب أمامه، وكان يدير الحوار بطريقة يمتص فيها اعتراض طلبته على بعض الأفكار، وهذا طبيعي فقضايا النقد والجمال نسبية تختلف من فرد إلى آخر بحسب الإيديولوجية التي ينطلق منها.
تحضرني المواقف والذكريات الآن وتغيب عني الكلمات فأعجز عن تدوينها، أحاول عبثاً التعبير عما في داخلي فأعجز، فقد رحل في وقت كثرت فيه الأحزان حقاً، رحل إلى عالم أنقى وأجمل من عالمنا هذا.
العدد 1119 – 8-11-2022