أخذتنا اختناقات السوق نحو الهاجس الأبرز ..السعر من جهة وتوفر الاحتياجات من جهة ثانية، ونسينا عنوة تحت ضغط الحاجة الاعتبار الصحي فيما نستهلك من أغذية.
اليوم تغص وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أشكالها، لاسيما قنوات اليوتيوب الطبية المتخصصة، ببرامج توعية وتحذير من مخاطر الكثير من العادات الاستهلاكية الخاطئة والتي تعني التسبب بأمراض خطيرة مع مرور وقت ليس بالطويل كثيرا، وبمجرد متابعة التحذيرات يبدأ الذهن بالمقارنة واستعراض قائمة “الخلل الاستهلاكي” التي تعتري أسواقنا، و سيكون القلق والهلع النتيجة التي سيخرج بها كل من يقارن.
هنا لا نتحدث عن حالة ترف استهلاكي..بل عن عادات وممارسات مدمرة للصحة ندفع ثمنها فاتورة باهظة للأطباء والصيادلة، فاتورة تولد قناعة مطلقة لكل من يقارن، بأن غياب بعض المواد الغذائية أفضل بكثير من توفرها..ويكون التساؤل الأهم هو: كيف تتعاطى الرقابة الصحية مع الأسواق..بما أن المفترض درايتها الكاملة بمخاطر بعض أنواع الأغذية والسلع، ولا نقول المهربة بل المستوردة أصولا ؟
مثلا..كيف يمكن لرقابتنا الصحية أن تكتشف نوع الزيت النباتي الذي استخدمه مطعم ما لقلي الفلافل أو البطاطا، وهي أرخص الوجبات الشعبية السريعة وأكثرها استهلاكا في بلدنا على الإطلاق، وكيف للرقابة أن تكتشف كم مرة تم استخدام الزيت في القلي، بما أن الاشتراطات الطبية تطلب أن يكون الاستخدام لمرة واحدة..وإن كانت قادرة على المعايرة الدقيقة ..هل تابعت ورصدت وحاسبت ؟؟
هذا أبسط مثال وسؤال محرج لوزارتي الصحة و “حماية المستهلك” اخترناه من الشارع ليكون واضحا لا جدال حوله.
وبما أننا اخترنا الزيوت النباتية مثالا فثمة تتمة لابد منها..
فللزيوت مصادر كثيرة . ذرة ودوار الشمس وبذر القطن والصويا ..وصولا إلى زيت النخيل، وهذا الأخير هو الأقل سعرا على الإطلاق لكنه أخطر مايمكن أن يستهلكه البشر.
هل لدينا بالفعل مخابر قادرة على معايرة محتوى العبوات المتدفقة إلى أسواقنا من كل حدب وصوب؟
عندما نبشر المستهلك بأن الزيت متوفر في الأسواق ونعلن عن أسعار منضبطة ومضبوطة، نأخذ اهتمام الجميع إلى توفر المادة ثم سعرها، لكن لم يتطرق أحد إلى مادة الزيت بعيدا عن العبارات المدونة على العبوة..
أخيرا سنسلط الضوء على حيثية هامة في هذا الشأن وهي أن زيت النخيل يستورد لمعامل الصعق والهدرجة أي إنتاج السمن النباتي، وتحظى المنشآت المحلية في بلدنا بمخصصات صناعية، وتعني السماح باستيراد المادة الأولية وهي زيت النخيل وفق الطاقة الإنتاجية لكل مصنع..جزء هذه الكميات يعبأ ويباع في الأسواق للاستهلاك المباشر..خصوصا في هذه الأيام مع صعود عبوة الزيت إلى مرتبة “النجومية السلعية” لكثرة ما جرى بشأنها من جدل..
مقلق أن تكون رقابتنا وأسواقنا في واد ودساتير الصحة وسلامة الغذاء..مقلق جدا بالفعل.
نهى علي