الثورة – ترجمة ميساء وسوف:
لأسباب تقويمية عسكرية سياسية معروفة، ألهم موضوع أزمة الصواريخ الكوبية والردع النووي أكثر من اثني عشر كاتباً، خبراء وعلماء وسياسيين ومسؤولين، لتكريس نصوص وبيانات خاصة بهذا الموضوع.
بادئ ذي بدء، دعونا نصوغ نتيجتين من أزمة الصواريخ الكوبية، الأول هو أنه من المستحيل فصل الأوضاع الإقليمية عن المشهد العالمي إذا كانت القوى النووية متورطة في هذه المواقف.
فمثلاً، للقتال في أراضي أوكرانيا منطقه الخاص، لكن سيكون من الخطأ إخراجه من سياق أزمة أعمق بكثير في الأمن الأوروبي والعالمي. ويتعلق الاستنتاج الثاني بالحاجة إلى ضمان اتصال موثوق به بين الجهات الفاعلة الرئيسة، ما يسمح لهم بمنع الأزمة من التصعيد إلى أعمال عدائية حقيقية، فضلاً عن تجنب التصورات الخاطئة عن نشاط لهذه الجهات الفاعلة.
على الرغم من الأزمة، لا شك في أن الردع النووي لا يزال ساري المفعول، رغم تعرضه لضغوط شديدة، إنه يتطور ويصبح أكثر تعقيداً ومتعدد الأطراف.
ويمكن اعتبار التصريحات المنتظمة الصادرة عن الولايات المتحدة الأميركية وحلف شمال الأطلسي بأنهما ليستا طرفاً في النزاع المسلح على أراضي أوكرانيا، ورغبة جميع المعنيين في الحد من جغرافية الأعمال العدائية، علامة واضحة على الحفاظ على الأسلحة النووية.
في الوقت نفسه، يجب أن يدرك المرء أن الردع النووي ليس نوعاً من الوسائل لضمان “السلام العالمي” أو “الأمن العالمي”.
يجب التأكيد على أن طبيعة الردع بحد ذاتها معقدة للغاية، إنه يتعامل مع الإمكانات الحقيقية (بما في ذلك القدرات النووية)، والتي يمكن لمسها ورؤيتها من تصرفات صناع القرار ومساعديهم ومستشاريهم. علاوة على ذلك، من الصعب جداً رسم خط بين ما يسمى بـ “إشارات الردع” و “التهديدات النووية”، في الواقع، هذه هي الكلمات والأفعال نفسها، والسؤال الوحيد هو من يدركها وكيف؟.
“الردع النووي” و”استخدام الأسلحة النووية” ظاهرتان مختلفتان، وإن كانا مرتبطين ببعضهما البعض بشكل مفهوم: فالردع يقوم على الاستعداد السياسي والتقني لاستخدام الأسلحة النووية، وهناك رأي مفاده أنه يمكن استعادة الردع من خلال استخدام الأسلحة النووية، لكن التنبؤ بعواقب مثل هذا الاستخدام هو ممارسة ذات فعالية مشكوك فيها إلى حد ما.
علاوة على ذلك، تُظهر الأعمال القتالية الحالية على أراضي أوكرانيا وروسيا أن الحسابات النظرية حول إمكانية إدارة التصعيد، حتى على المستوى ما قبل النووي، لا تتناسب جيداً مع الواقع.
أخيراً، لا يعمل الردع بدون تدابير تقليل التهديد “الخطر”، بما في ذلك التحكم “الصارم” في الأسلحة في الشكل الأكثر تقدماً، تم “الخروج” من أزمة الصواريخ الكوبية من خلال تدابير أحادية ودون آليات تحقق منسقة، على الرغم من أن الوسائل التقنية الوطنية لا تزال تعمل.
في مراحل مختلفة من سباق التسلح النووي والأزمات النووية للحرب الباردة الماضية، تصاعد الموقف بشكل منتظم، وليس من دون سبب أن الجيل الماضي من القادة توصل إلى نتيجة مفادها أن هناك حاجة إلى نوع من “السياج” لتجنب حرب بين الخصوم بالأسلحة النووية.
البيان المشترك للـ “النوويين الخمسة” الصادر في 3 كانون الثاني 2022، أكد الالتزام بصيغة استحالة الانتصار في حرب نووية والرغبة في مواصلة العمل على “تقليص المخاطر الإستراتيجية”.
ويبدو بيان الاتحاد الروسي بشأن منع الحرب النووية المؤرخ 2 تشرين ثاني 2022، الذي يؤكد على مهمة “منع أي صدام عسكري بين القوى النووية”. دعونا نأمل أن تتمكن الأطراف المعنية من الدخول في حوار موضوعي في هذا المجال.
ستستمر الأبحاث في مجال الردع النووي على هذا النحو، إذ تبحث جميع البلدان، وفي مقدمتها روسيا والولايات المتحدة، عن مناهجها الخاصة في هذا المجال، وأحياناً تتناغم هذه المقاربات بطريقة غريبة، من الممتع أيضاً أن يُظهر القادة العسكريون الأمريكيون الذعر المرتبط بالحاجة إلى احتواء روسيا والصين.
سيظل الردع النووي عاملاً مزعجاً للغاية ولكنه أساس في العلاقات العسكرية والسياسية الدولية، لكن المفاهيم المثالية للسلام العالمي لا تجتاز اختبار الواقع القاسي، فهو يتطلب جهوداً متواصلة على المستويين العسكري والفني وكذلك على المستوى الدبلوماسي والمفاهيمي، ويمكن للمرء أن يأمل فقط في أن يجبرنا هذا الاهتمام نفسه على اتخاذ تدابير حقيقية لخفض التصعيد وزيادة الحد من التهديد على المدى الطويل.
المصدر: منتدى فالداي