لجينة الأصيل: رسوم الأطفال اختارتني

الملحق الثقافي- حوار فاتن دعبول:

« لم أختر رسوم الأطفال، إنما هي التي اختارتني» بهذه العبارة البسيطة تعبر الفنانة التشكيلية لجينة الأصيل عن علاقتها بالأطفال، هذا العالم الذي أحبته وأعطته سنين طويلة من جهدها ووقتها وحياتها، لتقدم لهم مفهوم الجمال ومعنى فن اللوحة، ولتأخذهم عبر الفكرة واللون والخيال إلى عوالم سحرية جميلة، تغني حياتهم بالفرح والأمل، ولتغرس في نفوسهم بأننا نستطيع أن نلون الحياة كما نشاء وإن بلغت من القسوة ما بلغت.
الفنانة السورية الحائزة على إجازة في الفنون الجميلة» عمارة داخلية» في العام 1969، والخبيرة الفنية في مديرية ثقافة الطفل، وزارة الثقافة السورية، عن مسيرتها وأهم المحطات في حياتها كان هذا اللقاء.
نقطة تحول
تقول: بدأت الرسم قبل أعرف الكتابة، وأحببت الحكايات والرسوم ما دفعني وأنا في عمر العاشرة لإصدار مجلتي الخاصة، وقد لازمني هذا الشغف بالأدب والفن حتى المرحلة الإعدادية، حين بدأ الفن يحظى باهتمامي ويأخذ حيزاً كبيراً من وقتي، لذلك كانت كلية الفنون الجميلة هي الملاذ والهدف، فانتسبت إليها باختصاص» عمارة داخلية»، وكان همي الأول بعد التخرج العمل في الديكور المسرحي، لأنه يجمع بين الفن والأدب.
ومن هنا بدأت الرحلة، وصرت أتردد على مقر مديرية المسارح والموسيقا للعمل في المسرح، وهو المقر الذي يضم أيضاً» مجلة أسامة» وأثناء ذلك التقيت برئيس تحرير المجلة السابق الأديب عادل أبو شنب، الذي عرض علي أن أرسم في المجلة، ومن باب الفضول قبلت، دون أن أعلم أن هذه الرسوم ستكون نقطة تحول في حياتي.
وتابعت: كانت فرحتي لا توصف حين رأيت رسوماتي ولأول مرة على صفحات مجلة أسامة، تلك المجلة التي نشأت بيني وبينها علاقة حب، وعلى صفحاتها تدربت، فكانت كالأم التي تتحمل عثراتي وتبارك نجاحي وتشجعني، وعن طريقها عرفني الأطفال، ليس في سورية وحسب، بل في الوطن العربي جميعه.
لوحة في كتاب الطفل


 كيف تعاملت مع هذا الفن الطفولي؟
  في السنوات العشرين الأخيرة انصب اهتمامي على البحث في مدى تأثير رسوم كتب الأطفال على تكوين شخصية الطفل وكيفية تطوير الكتاب فنياً ليحترم عقله ويواكب تطلعاته، وبدأت بمشروع» لوحة في كتاب الطفل» وإقامة الورشات للفنانين الشباب بهدف تعريفهم برسوم كتب الأطفال، وورشات أخرى للأطفال، ورأيت أن أهم العوامل التي يجب أن تتوفر في الكتاب لكي يصل للطفل بنجاح، أن تكون الرسوم قادرة على تركيز المفاهيم الأساسية والصحيحة في عقله ووجدانه من خلال القراءة البصرية، وضرورة أن تغذي هذه الرسوم غريزة حب الاستطلاع لدى الطفل بتراثه وحضارته.
كما يجب أن تحمل هذه الرسوم هموم وجمال بيئته، وهذا يعني أن يتحلى الفنان برصيد كاف عن بيئته، بحيث يستطيع أن ينقل هذا المخزون بفنية وأمانة للطفل دون تكلف وضمن قالب فني يحترم عقل الطفل وينمي ذائقته الفنية، فالرسوم ذات المستوى الفني المتميز لها دور هام في تنمية هذه الذائقة، خاصة وأن نمو الحس الجمالي لا يأتي بالفطرة، بل يتطلب تدريباً وجهداً كبيرين، وهذا يؤكد ضرورة أن يكون الفنان المتوجه للطفل متمكناً فنياً ليستطيع تحقيق هذا الهدف.
الأصالة والانتماء
 كيف تتوجهين إلى طفل اليوم في عصر امتداد التكنولوجيا والتقنيات الحديثة؟
  لابد أن يكون الفنان متمكناً من أدواته حتى يستطيع أن يقنع الطفل ويحاكي خياله في زمن العولمة والفضائيات المفتوحة، والشيء الأساسي الذي يجب التنبه إليه هو الأصالة، فأول ما يسأل عنه الفنان عندما يقدم أي عمل للمشاركة في معرض دولي هو بلده وخلفيته الثقافية، وإذا كانت لوحته تعبر عن أصالته، لذا يجب أن تكون لوحة الفنان الذي يتعامل مع الطفل، أصيلة وتعبر عن جذورها، صحيح أن الأصالة موجودة لدينا، إلا أن موجة التقليد والفهم الخاطىء بأن ما هو أوروبي هو أفضل، وما نراه على الإنترنيت هو الأجمل، كل هذا يقتل مفهوم الأصالة، وكي يستطيع الفنان مواكبة عقل الطفل يجب أن يكون:
واثقاً من نفسه، ليعطي الثقة للطفل، ودائماً عندما نحب ما نقدمه، سيحبه المتلقي، لكن يجب أن نحبه بجدارة وبشغف وصدق، فهناك جهد مضن وحقيقي لإنجاز أي عمل فني، لذا عندما يقدم الفنان عملاً أصيلاً وقيماً، فأي طفل مهما كان متعلقاً بالكومبيوتر أو الألعاب الإليكترونية، سيحب هذا العمل، خاصة أن الكتاب أو المجلة لها خصوصية عند الطفل، لأنه يشعر أنها ملكه، يضعها تحت وسادته ويقرأها قبل النوم، وطبعاً لهذا الأمر علاقة بالأهل وكيفية تنمية هذا الموضوع لدى أطفالهم.
التوجه إليهم بشغف وحب
 لفن الأطفال خصوصية لتفاوت الفئات العمرية، فكيف تتعاملين مع هذه الخاصية؟
  بالطبع لكل مرحلة عمرية خصوصيتها، ومن الضروري في هذا المجال مراعاة هذا الجانب لدى الطفل، فعندما يفتح الطفل في مراحله الأولى كتابه وهو لا يعرف القراءة، يعتبر نفسه أنه قرأ بمجرد قرب الصورة من مداركه، فكل الكلمات التي يجب أن تكون مكتوبة ويقرأها الطفل، يجب أن يراها من خلال صورة صريحة وعفوية، بما ينقل الفكرة له دون تعقيد.
وهذه المرحلة بحاجة أيضاً إلى علاقة خاصة مع الطفل وأسلوب تفكير مختلف بحسب مراحل الأطفال العمرية، وتجب مراعاة خصوصية النص في أي عصر ومكان، لهذا يجب أن تكون ثقافة الفنان عالية، وأن يكون شغوفاً بشدة وصبوراً، فالشغف والصبر أساس تحقيق عمل فني متميز موجه للطفل.
وعلى اعتبار أن الإنسان وليد تجاربه، تقول الفنانة لجينة الأصيل:
إن النص الذي يلامس شيئاً ما مر به الفنان سيكون تأثيره أقوى على الطفل، فعندما يأتيني نص له علاقة بحالة عشتها، يكون تعبيري عن نصها من خلال الرسم أقوى جداً من تعبيري في نص لم أمر بحالته على الصعيد الشخصي، وهذا اتضح في رسومات إحدى الكتب التي جاءت عن الطلاق وانعكاسه على الأطفال، لأن هذا كان يعبر عن حالة عشتها عندما انفصل والدي عن بعضهما.
وتابعت الفنانة: شعرت أن القصة كتبت لي، وكنت مستمتعة جداً بأدائها، لأني أوصلت من خلال الرسومات كل المشاعر التي كنت أشعر بها في طفولتي، وما زالت كلما تخطر على ذهني، أعود إلى هناك، كان الكتاب معبراً ويحكي قصة طفل شرد بين والديه.
 ما دور الأهل في تنمية مواهب الصغار؟
  دور الكبار يأتي بأن يقدموا للأطفال الأعمال الجيدة، ليستطيع الطفل تمييز الجيد من الغث، وليكتسب سوية بصرية سليمة، وتوجيهه بشكل منهجي بترك الحرية الكاملة كي يتخيل، وفي الآن نفسه يجب تحريض هذا الخيال منذ الطفولة المبكرة كي يستطيع أن يخترع أساليب جديدة في مجالات الحياة منذ سنواته الأولى.
تفوق وجوائز وعلم سورية يرفرف
من يلتقي الفنانة التشكيلية ويتلمس ذاك الطفل الساكن في أعماقها، يدرك معنى أن تقدم للأطفال عصارة روحها وشطراً كبيراً من حياتها، تقول:
شاركت كثيراً في المعارض الدولية لرسوم كتب الأطفال، لأستطيع تحديد مستوى أعمالي ومدى تطورها بالنسبة للأعمال الفنية العالمية، وأكثر ما كان يفرحني رؤية علم بلادي يرفرف في المعرض، واسم سورية متواجد باعتزاز.
ونلت جوائز كثيرة في مصر ولبنان وفرنسا واليابان وصربيا، وكرمت في سورية، وكنت ضيفة شرف في معرض بولونيا في إيطاليا، والذي يعتبر أهم معرض لرسامي كتب الأطفال في العالم، لكن كنت أعتبر جائزتي الكبرى هي عندما أقابل ذوي الأطفال ليقولوا لي» تربينا وربينا أطفالنا على رسومك».
أما رسالتها للأطفال» اجعلوا الرسم مصدر متعة لكم، ليصبح الكتاب أداة فرح وبهجة، وأحبوا ما تقومين به، فالحب رسالة سامية تنطلقون عبرها إلى عوالم الجمال والنقاء والسمو».
العدد 1124 – 13-12-2022

آخر الأخبار
تحية لأبطال خطوط النار.. رجال الإطفاء يصنعون المعجزات في مواجهة حرائق اللاذقية غابات الساحل تحترق... نار تلتهم الشجر والحجر والدفاع المدني يبذل جهوداً كبيرة "نَفَس" تنطلق من تحت الرماد.. استجابة عاجلة لحرائق الساحل السوري أردوغان: وحدة سوريا أولوية لتركيا.. ورفع العقوبات يفتح أبواب التنمية والتعاون مفتي لبنان في دمشق.. انفتاح يؤسس لعلاقة جديدة بين بيروت ودمشق بريطانيا تُطلق مرحلة جديدة في العلاقات مع دمشق وتعلن عن دعم إنساني إضافي معلمو إدلب يحتجون و" التربية"  تطمئن وتؤكد استمرار صرف رواتبهم بالدولار دخل ونفقات الأسرة بمسح وطني شامل  حركة نشطة يشهدها مركز حدود نصيب زراعة الموز في طرطوس بين التحديات ومنافسة المستورد... فهل تستمر؟ النحاس لـ"الثورة": الهوية البصرية تعكس تطلعات السوريين برسم وطن الحرية  الجفاف والاحتلال الإسرائيلي يهددان الزراعة في جنوب سوريا أطفال مشردون ومدمنون وحوامل.. ظواهر صادمة في الشارع تهدّد أطفال سوريا صيانة عدد من آبار المياه بالقنيطرة  تركيا تشارك في إخماد حرائق ريف اللاذقية بطائرات وآليات   حفريات خطرة في مداخل سوق هال طفس  عون ينفي عبور مجموعات مسلّحة من سوريا ويؤكد التنسيق مع دمشق  طلاب التاسع يخوضون امتحان اللغة الفرنسية دون تعقيد أو غموض  إدلب على خارطة السياحة مجدداً.. تاريخ عريق وطبيعة تأسر الأنظار سلل غذائية للأسر العائدة والأكثر حاجة في حلب