الثورة – ترجمة – رشا غانم:
مع تمكن الديمقراطيين من استعادة السّيطرة على مجلس الشّيوخ، وضمان الجمهوريين لأنفسهم انتصارا محدودا في مجلس النّواب، يبدو أنّ أمور الانتخابات النصفية للولايات المتحدة الأمريكية قد استقرّت، ولكنّ سيطرة الجمهوريين على مجلس النّواب تعني بأنّ إدارة بايدن ستواجه صعوبات كبيرة في الارتكاز على أيّ أجندة خلال العامين المتبقيين من فترته الرئاسية، وستترتب على ذلك آثار مهمة للغاية على الصعيدين المحلي والدّولي.
ممالا شك فيه، أن نتائج الانتخابات النصفية الأمريكية ستؤدي إلى تفاقم المواجهة الحزبية والاستقطاب السياسي، ومن خلال الاستفادة من سيطرتهم على اللجان، سيكون من المؤكد أن الجمهوريين في مجلس النواب سيقومون بدور إشرافي أكثر نشاطاً من خلال بدء سلسلة من التحقيقات في الإدارة، مثل التحقيق في الانسحاب العسكري من أفغانستان والتعاملات التجارية لهانتر بايدن، وسياسة الحدود لإدارة بايدن أو حتى بمحاولة عزل الرئيس بايدن انتقاما من عمليتي عزل دونالد ترامب من قبل مجلس النواب الديمقراطي، كل ذلك سيكون ملزماً بتكبد قدر هائل من الحقد الحزبي.
وعلاوة على ذلك، هناك نتيجة أخرى من انتخابات 2022، وهي أن الرئيس السابق ترامب سيكون الخاسر الأكبر، فعلى الرغم من انخفاض نسبة تأييد بايدن بسبب أعلى مستوى للتضخم في الولايات المتحدة منذ أكثر من 40 عاماً، والمخاوف بشأن الجريمة وأمن الحدود الجنوبية، لم تحدث ما يسمى بـالموجة الحمراء العملاقة، كما خسر عدد كبير من المرشحين الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي لعام 2022 على الرغم من تأييد ترامب، مما يشير إلى أن الترامبية قد تم إضعافها بشكل كبير، وفي ظل مثل هذا الموقف، من المرجح أن ينغمس الجمهوريون في الاقتتال الداخلي، حيث يحمل العديد من كبار الجمهوريين ترامب مسؤولية خسارة انتخابات التجديد النصفي، ويبتعد عنه بعض أقوى حلفائه.
إضافة إلى ذلك، سيكون للانتخابات النّصفية آثار كبيرة على السياسات الوطنية لتغير المناخ والهجرة، وبأغلبية ضئيلة في مجلس النواب، سيتمكن الجمهوريون من الطعن في أجندة بايدن بشأن تغير المناخ والهجرة، وأمّا بالنسبة للمناخ والطاقة، فإن السيطرة الديمقراطية على مجلس النواب كانت ستمكن إدارة بايدن من الضغط من أجل أولويات الطاقة النظيفة والمناخ على المسرح الدولي، وفي المقابل، ستعمل السيطرة الجمهورية على مجلس النواب على تسريع تطوير الوقود الأحفوري بدلاً من مشاريع الطاقة النظيفة، ويمكن أن تحاول تقليل تأثيرات قانون الحد من التضخم من خلال الرقابة على تأخير الاستهلاك الجديد الموجه للطاقة والذي يهدف إلى تقليل البصمة الكربونية للأمريكيين، وفيما يتعلق بالهجرة، يواصل الديمقراطيون دفع الإجراءات المؤجلة للقادمين في مرحلة الطفولة، وإصلاح الوضع المحمي المؤقت والتعديل الأفغاني، وغيرها من إصلاحات الهجرة في القانون الشامل أو قانون تفويض الدفاع الوطني.
ومع ذلك، ومع هامش سيطرتهم الضئيل، سيتمكن الجمهوريون من استبعاد أي إصلاح للهجرة.
وعلى الصّعيد الدّولي، سيكون لنتائج الانتخابات النصفية أيضاً تداعيات عميقة على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، لاسيما تلك المتعلقة بأوكرانيا والصين وإيران، بادئ ذي بدء، سيؤثرون على أجندة بايدن للمساعدة العسكرية لأوكرانيا، حيث سمحت إدارة بايدن بأكثر من 66 مليار دولار من المساعدات لأوكرانيا التي وافق عليها الكونغرس قبل ما يقرب من 10 أشهر، بينما أعرب العديد من كبار أعضاء الكونغرس الجمهوريين عن معارضتهم لمساعدات واسعة النطاق لأوكرانيا، وأكدّ كيفن مكارثي، زعيم الأقلية الحالي في مجلس النواب والمتحدث التالي المحتمل لمجلس النواب، بأنّ مجلس النواب الذي يقوده الجمهوريون سيكون متردداً في التصديق على مساعدة، الشيك على بياض، لأوكرانيا.
ومن المتوقع أنه في العامين المقبلين، على الرغم من أنه سيظل هناك دعم قوي من الحزبين لأوكرانيا، فإن مجلس النواب الذي يقوده الجمهوريون سيبطئ الوتيرة الحالية، مما يحول دون الموافقة بسهولة على مبالغ كبيرة من تمويل المعونة.
وأمّا بالنسبة لسياسة الصين الأمريكية، بالنظر إلى حقيقة أن أربعة من كل خمسة أمريكيين ينظرون الآن إلى الصين بشكل سلبي بسبب تأثرهم بالسياسيين ووسائل الإعلام التي تشيطن الصين، فإن كلا من الديمقراطيين والجمهوريين يتبنون بالفعل موقفاً متشدداً تجاه الصين، ومع ذلك، فإن مجلس النواب الذي يقوده الجمهوريون يمكن أن يعقد سياسة بايدن تجاه الصين ويقوض مكوناتها البناءة حيث يتخذ الجمهوريون عموماً موقفاً أكثر تشدداً تجاه الصين.
لذلك، سيدفع مجلس النواب الذي يقوده الجمهوريون من أجل العملية التشريعية لمشاريع القوانين المتعلقة بالصين حيث يركز الجمهوريون على تسليط الضوء على القضايا مع الصين، ويُقال بأنّ النائب مايك ماكول من تكساس، الرئيس القادم في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، سيجعل المساعدة لتايوان أولوية قصوى، بما في ذلك زيادة القدرات العسكرية لتايوان، وتعزيز العلاقات الأمريكية التايوانية.
إلى جانب ذلك، تعهد ماكول أيضاً بزيارة تايوان عندما يصبح رئيسا لمجلس النواب، وإذا كان الأمر كذلك، فسيكون ذلك ضاراً بهدف إدارة بايدن المعلن والمتمثل في إعادة العلاقات الصينية الأمريكية إلى مسار التنمية المستقرة.
وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية المتعلقة بإيران، على الرغم من أن إدارة بايدن ضغطت من أجل إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 الذي تم التوصل إليه في عهد الرئيس أوباما بعد انسحاب ترامب منه من جانب واحد في عام 2018، إلا أنها ستعاني من عرقلة الجمهوريين، فمع اتخاذ مجلس النواب بقيادة الجمهوريين موقفاً متشدداً من إيران، سيكون من الصعب على إدارة بايدن إحياء الاتفاقية، وبالتالي إعاقة التعاون الدولي في تسوية المشاكل النووية الإيرانية.
باختصار، أدت الانتخابات النصفية للولايات المتحدة في عام 2022 إلى انقسام الحكومة، مما تسبب في تداعيات كبيرة على كل من السياسات المحلية والسياسات الخارجية ومعاناة المواجهة الحزبية والاستقطاب السياسي، وسيكون من الصعب على الديمقراطيين والجمهوريين التوصل إلى الإجماع والتعاون، وبالتالي الإضرار ليس فقط بالمصالح الأمريكية ولكن أيضاً بمصالح المجتمع الدولي.