حتى لو كانت الكلمات حرة في طريقة طرحها.. هناك حدود للحرية تتعلق بمشاعر المتلقي والمعلومات التي يمتلكها حول حقيقة ما يقال.. مباشرة، وبدون لف أو دوران، أتحدث هنا عن الظاهرة التي يطلق عليها في الشارع السوري بالجشع.. والتي تحولت من كلمات تروى كقصص وحكايا إلى حقيقة واضحة.
حقيقة ما يحدث على أرض الواقع من غلاء فاحش وفساد علني وكبير وما يشكله من ضغط كبير على الشريحة الأوسع من الناس جعل الأمور خارج سياقها الطبيعي أو حتى المقبول.. بحيث لم تعد ينفع معها المهدئات أو أبراج الحظ .. حكايات مؤسفة وخطيرة سمعنا عنها في الأيام القليلة التي رافقت كارثة الزلزال.
هذا الحديث لا ينطوي بأي حال على التقليل من أهمية ما يقام على أرض الواقع من أمور إيجابية أو التقليل من الكفاءة والسمعة الطيبة لبعض التجار أو العاملين في المجال الإنساني أو الكفاءة والمهنية العالية للأطباء.. لكن الاكتشافات الجديدة والأخبار الكثيرة والمتضاربة التي تتوالى كل يوم.. بعضها يرفع الرأس و أخرى ترفع الضغط.. أضاعت الخطوط الواضحة للعمل لدى هذه الشرائح.. فلم يعد هناك حدود واضحة أو آمنة للمعايير بين التمجيد أو اليأس.
يعاني الناس اليوم من مصائب شتى.. يترافق معها الارتفاع الجديد للأسعار بنسبة تصل إلى 40% تحت أقاويل ومسميات مختلفة.. وكان قد سبقها تسعيرة جديدة للأدوية بنشرات متعددة غير واضحة بالنسبة للعامة.. فظهرت فوضى الجشع لدى الكثير من الصيادلة بحيث عملوا على رفع أسعار كل الأدوية الموجودة لديهم .. في ظل فروقات سعرية غير واضحة بالنسبة للمواطنين.. فلم تعد التسعيرة ظاهرة على كرتونه الدواء.
الأمر مشابه لدى الأطباء.. فتسعيرة المعاينات مختلفة بين طبيب وآخر حتى لو كانوا من نفس الاختصاص.. وعيادتهم بنفس المنطقة.. ومع ذلك يأتي تصريح لنقيب أطباء سورية لافت للانتباه يبين فيه ضرورة رفع أسعار المعاينة والإيكو والتخطيط لدى للأطباء لأنها لم ترتفع منذ عشر سنوات.. ألا يمكن تصنيف هذا التصريح ضمن فوضى الأقاويل وخاصة إن المعاينات ارتفعت ثلاث مرات خلال السنوات الأخيرة بنسبة تصل إلى 300% .. ألا تشكل هذه الأمور فجوة خطيرة بين الواقع المعيشي المؤسف للناس وتلك الأحداث والقرارات المرهقة، وسط اللامبالاة في معالجة المشكلات القديمة والجديدة.