لا تكاد تخلو منطقة من التوتر في العالم، بفعل الحروب المباشرة أو الإرهاب أو التدخلات الخارجية أو ردود الفعل اللازمة أو الأفعال الاستخباراتية التي لا تنتهي، ويبدو أن كل هذه الأسباب تجتمع في منطقتنا العربية والجوار القريب لتنتج وضعاً إقليمياً متفجراً، يصعب إخماده في ظل التداخل الدولي وكثرة العوامل الفاعلة والمؤثرة والارتباطات الدولية وتراجع البنية السياسية في المجتمعات العربية وترهل حضورها وعدم قدرتها على قيادة أتباعها وفشل الأحزاب السياسية والتنظيمات الأهلية في تقديم رؤى لحلول شاملة يمكن من خلالها الخروج من الحال المتردي والاحتلال والضعف والفقر التي تعانيها حكومات الإقليم، وإن كان ذلك على اختلاف أحجام الأزمة والمقدرات ما بين بلد وآخر، الأمر الذي يقتضي البحث عن مخارج حقيقية لتلك الأزمات المتعاقبة والتي تنتج أزمات مستمرة.
وبالاعتماد على الشهادات الأميركية والغربية الاستعمارية نذكر أن صحيفة نيويورك تايمز أصدرت عدداً خاصاً تم تكريسه بأكمله لموضوع واحد استغرق جميع صفحات العدد، الأمر الذي يحدث لأول مرة في تاريخ هذه الصحيفة العريقة التي تعتبر قدوة للصحافة الجادة.
موضوع العدد هو الكارثة التي حلت بالمنطقة العربية خلال 13 عاماً، ابتداءً من عدوان أميركا وبريطانيا على العراق واحتلاله في عام 2003.. ذلك العدوان والاحتلال الأميركي الذي لم يدمر النظام السياسي العراقي فقط، بل دمر الدولة العراقية، وخلق الظروف الملائمة لولادة داعش وأمثالها من المنظمات الإرهابية، وحول المنطقة العربية إلى منطقة ملتهبة، ومصدر لأزمة لاجئين عالمية، كما أعطى إشارة الانطلاق لعصر الإرهاب الذي يضرب العالم اليوم ويقض مضاجع البشرية.
ويقدم موقع نيويورك تايمز حصيلة بالأرقام الموثقة للخسائر البشرية والمالية التي سببها العدوان الأميركي على العراق بحجة كاذبة، فقد قتل من العراقيين مليون و455 ألفاً و590 شخصاً، ومن العسكريين الأميركيين 4801 جندي وضابط، ومن حلفاء العدوان الآخرين 3487 عسكرياً، كما أن الكلفة المالية للحرب على الغالب والمغلوب بلغت تريليون و705 مليارات و856 مليون دولار.
وكانت أكذوبة الربيع العربي واحدة من النتائج الثانوية والهزات الارتدادية للكارثة، وتقدر مصادر دولية أن خسائر الوطن العربي بلغت 830 مليار دولار، هذا فضلاً عن الدمار الحاصل في تونس وليبيا ومصر واليمن والعراق وسورية وغيرها من البلدان التي تأثرت بتلك الارتدادات، فهل من مخرج غير التعاون والتوافق والعودة إلى الجوامع الكلية والمصالح العربية والإقليمية بعيداً عن المطامع والاعتداءات والرغبة في السيطرة على مقدرات الغير؟.
يبدو أن تلك الأفكار لا تغيب عن ذهن ومخططات السياسيين والحكام الذين يبحثون عن مخارج لهم من المستنقعات التي تورطوا فيها، إذ لم تكن الخطوات التنفيذية تتطابق مع المخططات الأساسية، وهذا الأمر جرى في كل المجتمعات والدول التي تأثرت بارتدادات العدوان الأميركي والبريطاني على العراق وأفغانستان والمنطقة كلها، وصولاً إلى العدوان الأميركي الحالي في سورية، ولا تخلو منطقة في هذا الإقليم من النتائج السلبية عليها، ما يفرض تعاوناً متكاملاً بدأت ملامحه من خلال اللقاءات والوساطات العلنية أو السرية بانتظار اكتمال الشروط الموضوعية للعودة إلى الالتزام بالقانون الدولي والمصالح المشتركة المتبادلة.